قال محمد: وخالفنا في هذا أبو حنيفة، واتبعنا عليه أصحابه، قال: ولو حكم قاض بشاهد ويمين في مال، ثم ولي بعده قاض، فسخ حكم الأول، ثم ولي ثالث، فلينقض حكم الثاني، ويرده إلى حكم الأول، وهذا عظيم أن يرد ما حكم به رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلي بن أبي طالب.
قال ابن حبيب: قال مطرف، في القاضي يحكم لأحد الخصمين، ثم يشهد الآخر على فسخ الحكم الأول، ويكتب بذلك كتابا، ولا يذكر أنه رجع عن الحكم الأول إلى ما رآه أحسن، ولا فسر أمر فسخه له، قال: لا أرى هذا فسخا ينقض به الأول إذا كان صوابا غير مختلف فيه حتى يلخص في الفسخ ما يستوجب به فسخ الأول، ويرجع إلى ما هو أحسن منه، إلا أن يقول: تبين لي أن الشهود شهدوا بزور. فهذا يكفي من التلخيص. وقاله ابن نافع.
وقال ابن الماجشون: إشهاده على الفسخ فيه يكفيه إذا كان مأمورا، ولو لم يقل: إلا أني قد رجعت عن الحكم الأول، لكان رجوعا، ثم هما بعد ذلك جميعا على رأس أمرهما، ولكن لو كان مع الرجوع والفسخ الحكم وقد قضيت للآخر، لم يجز قضاؤه له هكذا، وكان باطلا، ومضى الفسخ، وكانا جميعا على رأس أمرهما، وإنما اختلف القضاء والفسخ؛ لأنه لا يقضي/ حتى يضرب للمقضي عليه الآجال والحجج، ويكشفه عن حجة يدفع بها، ولا يجوز أن يحكم وهو غائب عن هذا. وقال أصبغ مثله وبه أقول، وإنما الذي لا يكون الفسخ فيه شيئا حتى يلخص ما رد به القضية إذا كان فاسخه غير الذي حكم به، فهذا لا يكون إشهاده على فسخ حكم غيره فسخا، حتى يلخص ويبين ما رد به، ولم يختلفوا في هذا.
قال مطرف في قاض قضي في شيء واحد لرجلين؛ لكل رجل بقضية فيه، فقاما بذلك عند قاض غيره، قال: جائز، ذلك أولى به، إلا أن يكون جائزه هو الأول، وفي قضية الآخر ما يفسخها، فيرد قضية الأول، وإن لم يجزه واحد منهما، ولم يعلم أولهما، فأعد لهما بينة، فإن تكافأتا، وأرختا، فأولهما تأريخا، ألا أن يكون في الثانية ما ينسخ به الأولى، فإن أرخت واحدة دون الأخرى، فذات التاريخ أولى، [٨/ ٩٩]