من العدالة بإقرارهما أنهما شهدا على الوهم والشك، وقال أصبغ عن أشهب في بعض مجالسه: ولو جاء الشاهد قبل الحكم متنحيا من شهادته، بطلت، وأما إن قال: لم تكن كنا شهدت، وإنما شهادتنا على هذا، لم تجز الأولى ولا الآخرة، وقال ابن القاسم: إن أتيا بعذر بين في رجوعهما ولم يتعمدا جنفا، وهما بينا العدالة، وعرف صدق ما اعتذرا به، جازت شهادتهما فيما يستقبلان. وإن لم يتبين صدقهما لم يقبلا فيما استقبلا.
قال ابن عبد الحكم: ولو أحدثا قبل الحكم مما لو كان ذلك منهما قبل أن يشهدا لم يقبلهما الحاكم، فأما مثل ما يشبه أن يكونا عليه قبل ذلك من فساد دين أو زنا أو شرب خمر فلا يقبلهما، وأما من أحدثا من شر بينهما وبين المشهود عليه أو قذف أو خصومة ولو كان ذلك قديما لم يقبلا عليه، فلا تبطل بذلك شهادتهما عليه.
قال محمد بن عبد الحكم: وإذا شهدا على رجل أنه أقر لفلان / وفلان بمائة دينار فقضي بذلك لهما، ثم رجع الشاهدان فقالا: إنما شهدنا بهما لأحدهما وسميناه، فإن للمقضي عليه بالمائة أن يرجع عليهما بخمسين، لأنهما أقرا أنهما أخرجاها من يديه إلى من لا حق له فيها، ولا تقبل شهادتهما للآخر: أن المائة كلها له، لأنهما مجرحان بشهادتهما، ولا عليهما أن يغرما له شيئا، لأنه إن كان له حق فقد بقي على من هو عليه، وليس قول الذي قال: إنهما يغرمان له خمسين بشيء، لأنهما إنما أخذا خمسين من مال المظلوم فأعطياها من لا شيء له عليه. ولو كان عبدا بعينه شهدا أنه أقر به لفلان وفلان فقضي به لهما فأخذاه ثم رجعا فقالا: إنما أقر به عندنا لفلان منهما، فها هنا يغرمان للذي أقرا له نصف قيمة العبد لأنهما أتلفاه عليه، هذا إن كان الذي كان العبد في يديه يقول: هو للذي شهدا له به آخرا، فإن كان الذي كان العبد في يديه يدعيه لنفسه وينكر شهادتهما؛ فليغرما نصف قيمته للمشهود عليه، ولم يكن للمقر له به آخرا إلا نصفه. [٨/ ٤٣٩]