الحكم، وإنما يحكم الحاكم بما يظهر له، وذلك أن النبي (صلي الله عليه وسلم) قال: فأقضي له بنحو ما أسمع، فمن قضيت له بشيء من حق أخيه فلا يأخذه، فإنما أقطع له قطعة من النار واحتج على أهل العراق بهذا وبغيره مما ذكرته في كتاب الأقضية.
قال: وإذا شهد رجلان أن رجلا قذف امرأته بالزنا، والرجل يعلم أنهما شهدا بزور، فقبلهما القاضي، وأمره باللعان فالتعن خيفة أن يحد بالقذف، والتعنت هي وهو يعلم كذبهما، ففرق بينهما الحاكم بظاهر ما ظهر إليه، وجعلهما لا تحل له أبدا، أن ذلك لا يحرم عليه بينه وبين الله سبحانه، ولكن نكره ذلك لئلا يعد زانيا فتنتهك حرمته، ويضيع نسبه إن كان حملا، ولئلا ترجم هي إذا وضعت أيضا، ولا يجوز لها أن تنكح، وإن كانت هي لا تعلم إلا ظواهر الأمور فمباح لها أن تنكح على ظاهر الحكم، ولو أن الزوج رماها بالزنا وهي يعلم كذب الزوج، فلاعن بينهما الإمام، فالتعنا، وفرق بينهما وحرمها عليه للأبد، فإنها لا يحرم عليها النكاح، لأن / الزوج ها هنا راض بحكم السلطان وتحريمها عليه، وإباحتها للأزواج.
قال: وإذا شهدا أن فلانا فارق زوجته، والزوج يعلم أنهما شهدا بزور، فحكم القاضي بالفراق، ثم رجعا وأقرا بالزور، فالحكم ماض على ظاهره، فإن علمت المرأة باطل قولهما لم يجز لها أن تنكح، ولا يجوز للزوج أن يتزوج أختها ولا أربعة سواها، وهي زوجته في علم الله، ويجوز للزوج أن يصيبها إن خفي له في ذلك، ولكنا نكره ذلك له للتغرير بنفسه في هتك حرمته، وإبطال نسبه، وإن تحبل هي فترجم إذا وضعت، فإن لم تعلم المرأة إلى ما ظهر من الحكم، فلها التزويج بظاهر الحكم، وكل من لم يعلم إلا ظاهر الحكم فله إقامة ما يوجبه ذلك الحكم في الظاهر، ولو علم الحاكم باطل ذلك جاز له أن يحكم بما ظهر، فكذلك من علم بباطنه، فلا يستبحه بظاهره. [٨/ ٥٣٧]