وقد تعسف بعض المتأخرين فى تحليل النقيع من غير العنب، ولا سلف لهم فية، وتعسفوا فى دفع الآثار وقابلوها بأحاديث لا تثبت واستكرهوا التأويل الفاسد فيما قد ثبت التحريم، وألزمناهم لما أقروا بما ثبت من الحديث في تحريم المسكر، لأن آخر المشروب لا يسكر منفرداً، فقد دخل القليل تحت هذا لاسم، كما دخل اسم الخمر تحت قليلة، فوجب الاسم لقليلة وكثيره، لأن لقليله معنى من مخامرة العقل، كما فيه معنى من موجبات السكر بعد مكابرتهم إلي أن مثل ذلك. تخليل العقار القاتل كثيره، وهو ما ينتج من الطعام وما دونه من الأكل، وهذا مما نحن فيه مفترق لأن الله سبحانه نص لنا على تحريم قليل الخمر وكثيرها، وأجمعت الأمة على أن قليل العقار الضار كثيره جائزة أكله {فهذا} بتحليل قليله، وقام النص بتحريم قليل الخمر، فرد ما اتختلف فيه من الأشربة غلي ما فيه النص فيها أولي بنا من رده إلي الأودية التى هي مستباحة، لأنا إنما نقيس علي الأشبه من الأصلين بالفرع لو سلمنا لك أنه فرع، فكيف ونحن نقول إنه دخل تحت اسم الخمر؟ وكيف تلزموننا أن نقيس ما يأخذع على الكراهة والحذر من تلف نفسه على ما ياخذه على الشهوة ويقصد به البلوغ إلي السكر الذي هو آخر أفعاله، ولا يقصد أحد في العقار إلي مثل هذا. وشئ آخر أن أخذ قليل العقار ليس بداعية إلي المزيد منه، وتناول قليل الخمر أو ما يفعل فعله داعية إلي المزيد منه، لأنه يحدث في النفس تطلباً إلي المزيد وطربا واستثارة.
وشئ أخر أن من يوجب الحد في السكر من الأشربة يلزمه أن يحد في الكثير من العقار المزيل للعقل، ومن خالف السلف فلم يحد في السكره من كل مسكر وحد في قليل الخمر لزمه أن يحد كل طاعم أو شارب حرام من ميته وخنزير، أو يدفع الحد عنه.