فإن قال: حددنا في قليله لانه داعية إلي كثيره {كما حرم الله عز وجل قليله لأنه داعية إلي كثيره}(١) وليس في غيره من المحرمات دواعي إلي كثيرها، فإن هذا ما قلنا إن قياسك ما خالفتنا فيه من الأشربة غلي ما يشبه معنى وفعلا من الأشربة أولي بك حين دفعت الأحاديث وقدحت في النص على تحريم مسكر الأشربة، وكيفما صرفت قول غيرنا لم تجد له بيانا لا من باب القياس والاستدلال ولا من باب الآثار والله المستعان علي توفيقه.
وقد تجد شارباً لمقدار من المسكر لا يسكره إلا أكثر منه، إلا أنه خرج فضربته ريح استحكم فيه السكر الذي لولا الريح لم يسكر فصار عليه حراماً ما كان قبل أن تمسحه الريح حلالاً، وصار يحد ظهره لما دخله من الريح الذي هو سبب سكره. وأصلهم {كذا} أن أواخر الشراب هو المسكر له، وهذا سبب سكره غير الشراب. فإن جعلت ما تقدم له من الشراب معيناً في ذلك، قيل لك: فحرمه عليه إذ له جزء من السكر، فإن أبيت من ذلك فلا يحد صاحب الريح إذ لم يتعد عندك بشراب يوجب سكره، وإنما تعرض للريح بخروجة فكان عن ذلك سكره، ولا حكم عندك لمتقدم الشراب فيما له رفع التحريم والحد.