هَذَا الْعِلْجِ مِنْ أَهْلِ يَثْرِبَ كَيْفَ يَتَهَكَّمُ بِأَعْرَاضِنَا، وَيُشَبِّبُ بِنِسَائِنَا؟ فَقَالَ: مَنْ هُوَ؟ قَالَ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ حَسَّانٍ، وَأَنْشَدَ مَا قَالَ، فَقَالَ: يَا يَزِيدُ، لَيْسَ الْعُقُوبَةُ مِنْ أَحَدٍ أَقْبَحَ مِنْهَا مِنْ ذَوِي الْقُدْرَةِ، فَأَمْهِلْ حَتَّى يَقْدَمَ وَفْدُ الأَنْصَارِ، ثُمَّ أَذْكِرْنِي بِهِ، فَلَمَّا قَدِمُوا أَذْكَرَهُ بِهِ، فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ، قَالَ: يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ، أَلَمْ يَبْلُغْنِي أَنَّكَ تُشَبِّبُ بِرَمْلَةَ بِنْتِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ؟ قَالَ: بَلَى، يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، وَلَوْ عَلِمْتَ أَنَّ أَحَدًا أَشْرَفَ مِنْهَا لِشِعْرِي لَشَبَّبْتُ بِهَا، قَالَ: فَأَيْنَ أَنْتَ مِنْ أُخْتِهَا هِنْدٍ؟ قَالَ: وَإِنَّ لَهَا لأُخْتًا، يُقَالُ لَهَا: هِنْدٌ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَإِنَّمَا أَرَادَ مُعَاوِيَةُ أَنْ يُشَبِّبَ بِهِمَا جَمِيعًا، فَيُكَذِّبَ نَفْسَهُ، فَلَمْ يَرُدَّ يَزِيدُ مَا كَانَ مِنْ ذَلِكَ، فَأَرْسَلَ إِلَى كَعْبِ بْنِ جُعَيْلٍ، فَقَالَ: اهْجُ الأَنْصَارَ، فَقَالَ: أَفَرْقٌ مِنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ، وَلَكِنِّي أَدُلُّكَ عَلَى الشَّاعِرِ الْكَافِرِ الْمَاهِرِ، قَالَ: مَنْ هُوَ؟ قَالَ: الأَخْطَلُ، فَدَعَاهُ، فَقَالَ: اهْجُ الأَنْصَارَ، فَقَالَ: أَفَرْقٌ مِنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ، قَالَ: لا تَخَفْ، أَنَا لَكَ بِهَذَا، فَهَاجَهُمْ، فَقَالَ:
وَإِذَا نَسَبْتَ ابْنَ الْفُرَيْعَةَ خِلْتَهُ … كَالْجَحْشِ بَيْنَ حِمَارَةٍ وَحِمَارِ
لَعَنَ الإِلَهُ مِنَ الْيَهُودِ عِصَابَةً …
بِالْجِزْعِ بَيْنَ صُلَيْصِلٍ وَصِرَارِ
خَلُّوا الْمَكَارِمَ لَسْتُمُ مِنْ أَهْلِهَا … وَخُذُوا مَسَاحِيَكُمْ بَنِي النَّجَّارِ
ذَهَبَتْ قُرَيْشٌ بِالْمَكَارِمِ وَالْعُلَى … وَاللُّؤْمُ تَحْتَ عَمَائِمِ الأَنْصَارِ
فَبَلَغَ الشِّعْرَ النُّعْمَانُ بْنُ بَشِيرٍ، فَدَخَلَ عَلَى مُعَاوِيَةَ، فَحَسَرَ عَلَى رَأْسِهِ عِمَامَتَهُ، وَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، أَتَرَى لُؤْمًا؟ قَالَ: بَلْ أَرَى كَرَمًا وَخَيْرًا، وَمَا ذَاكَ؟ قَالَ: زَعَمَ الأَخْطَلُ أَنَّ اللُّؤْمَ تَحْتَ عَمَائِمِنَا، قَالَ: وَفَعَلَ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَلَكَ لِسَانُهُ، وَكَتَبَ أَنْ يُؤْتَى بِهِ، فَلَمَّا أُتِيَ بِهِ، قَالَ لِلرَّسُولِ: أَدْخِلْنِي عَلَى يَزِيدَ، فَأَدْخَلَهُ عَلَيْهِ، فَقَالَ: هَذَا الَّذِي كُنْتُ أَخَافُ، قَالَ: فَلا تَخَفْ شَيْئًا وَدَخَلَ عَلَى مُعَاوِيَةَ، فَقَالَ: عَلامَ أَرْسَلْتَ إِلَى هَذَا الرَّجُلِ الَّذِي يَمْدَحُنَا وَيَرْمِي مِنْ وَرَاءِ جَمْرَتِنَا؟ قَالَ: هَجَا الأَنْصَارُ، قَالَ: وَمَنْ يَعْلَمُ ذَلِكَ؟ قَالَ: النُّعْمَانُ بْنُ بَشِيرٍ، قَالَ: لا يُقْبَلُ قَوْلُهُ، وَهُوَ يَدَّعِي لِنَفْسِهِ، وَلَكِنْ تَدْعُوهُ بِالْبَيِّنَةِ، فَإِنْ أَثْبَتَ بَيِّنَةً أَخَذْتَ لَهُ، فَدَعَاهُ بِهَا، فَلَمْ يَأْتِ بِشَيْءٍ فَخَلاهُ وتوفي عَبْد اللَّه سنة أربع ومائة، قاله خليفة.
أَخْرَجَهُ ابْنُ منده وَأَبُو نعيم.
[٣٢٨٩ - عبد الرحمن ابن حسنة]
ب د: عَبْد الرَّحْمَن بْن حسنة أخو شرحبيل بْن حسنة، وحسنة أمهما مولاة
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute