فليشنوا من الماء، وليمسوا من الطيب، وليستلموا الركن، ثم ليرقوا أبا قبيس، ثم ليدع الرجل، وليؤمن القوم فغثتم ما شئتم.
فأصبحت علم الله مذعورة، اقشعر جلدي، ودله عقلي، واقتصصت رؤياي، ونمت في شعاب مكة، فوالحرمة والحرم ما بقي بها أبطحي إلا قال: هذا شيبة الحمد.
وتناهت إليه رجالات قريش، وهبط إليه من كل بطن رجل، فشنوا ومسوا واستلموا، ثم ارتقوا أبا قيس، واصطفوا حوله ما يبلغ سعيهم مهلة، حتى إذا استووا بذروة الجبل، قام عبد المطلب ومعه رسول الله ﷺ غلام قد أيفع، أو كرب، فرفع يديه فقال: «اللهم ساد الخلة، وكاشف الكربة، أنت معلم غير معلم ومسئول غير مبخل، وهذه عبداك وإماؤك بعذرات حرمك، يشكون إليك سنتهم التي أذهبت الخف والظلف، اللهم فأمطر علينا مغدقا مرتعا».
فورب الكعبة ما راموا حتى تفجرت السماء بما فيها، واكتظ الوادي بشجيجة، فسمعت شيخان قريش وجلتها: عبد الله بن جدعان، وجرب بن أمية، وهشام بن المغيرة يقولون لعبد المطلب: هنيئا لك أبا البطحاء، أي: عاش بك أهل البطحاء.
وفي ذلك تقول رقيقة:
بشيبة الحمد أسقى الله بلدتنا … وقد فقدنا الحيا واجلوذ المطر
فجاد بالماء جوني له سبل … سحا، فعاشت به الأنعام والشجر
منا من الله بالميمون طائره … وخير من بشرت يوما به مضر
مبارك الأمر يستسقي الغمام به … ما في الأنام له عدل ولا خطر
أخرجه أبو نعيم، وأبو موسى، وقال أبو موسى: هذا حديث حسن عال، في هذا الحديث غريب نشرحه مختصرا قوله: لدة عبد المطلب، أي: على سنه.
وأقحلت: أيبست.
وأدقت العظم، أي: جعلته ضعيفا من الجهد.
وروى: أرقت، بالراء.
والتهويم: أول النوم، والإبان: الوقت.
وحي هلا كلمة تعجيل.
والحيا مقصور: المطر، والخصب، أي: أتاكم المطر والخصب عاجلا.
والوسيط: النسيب، والعظام بضم العين أبلغ من العظيم، وكذلك الجسام أبلغ من الجشيم.
والبض: الرقيق البشرة.
والأوطف: الطويل، والأشم: المرتفع.
وقوله: له فخر يكظم عليه: أي: يخفيه ولا يفاخر به.
والسنة: الطريقة.
وتهدي إليه، أي: تدل الناس عليه.
فليشنوا بالسين والشين أي: فليصبوا.
ومعناه: فليغتسلوا.