مُحَمَّدُ بْنُ خَلَفٍ الْعَسْقَلانِيُّ، أخبرنا مُعَاذُ بْنُ خَالِدٍ، أخبرنا زُهَيْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عن صَالِحِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ، حَدَّثَنِي نَافِعُ بْنُ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعَمٍ، عن أَبِيهِ، قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ ﷺ فَمَرَّ الْحَكَمُ بْنُ أَبِي الْعَاصِ، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ:«وَيْلٌ لأُمَّتِي مِمَّا فِي صُلْبِ هَذَا» وهو طريد رَسُول اللَّهِ ﷺ نفاه من المدينة إِلَى الطائف، وخرج معه ابنه مروان، وقيل: إن مروان ولد بالطائف، وقد اختلف في السبب الموجب لنفي رَسُول اللَّهِ ﷺ إياه، فقيل: كان يتسمع سر رَسُول اللَّهِ ﷺ ويطلع عليه من باب بيته، وَإِنه الذي أراد رَسُول اللَّهِ ﷺ أن يقفًا عينه بمدرى في يده لما اطلع عليه من الباب، وقيل: كان يحكي رَسُول اللَّهِ ﷺ في مشيته وبعض حركاته، وكان النَّبِيّ ﷺ يتكفأ في مشيته، فالتفت يومًا فرأه وهو يتخلج في مشيته، فقال:«كن كذلك»، فلم يزل يرتعش في مشيته من يومئذ، فذكره عبد الرحمن بْن حسان بْن ثابت في هجائه لعبد الرحمن بْن الحكم فقال:
إن اللعين أبوك فارم عظامه …
إن ترم ترم مخلجًا مجنونًا
يمسي خميص البطن من عمل التقى … ويظل من عمل الخبيث بطينًا
وأما معنى قول عبد الرحمن: إن اللعين أبوك
فروى عن عائشة ﵂، من طرق ذكرها ابن أَبِي خيثمة: أنها قالت لمروان بْن الحكم، حين قال لأخيها عبد الرحمن بْن أَبِي بكر، لما امتنع من البيعة ليزيد بْن معاوية بولاية العهد ما قال، والقصة مشهورة: أما أنت يا مروان فأشهد أن رَسُول اللَّهِ لعن أباك، وأنت في صلبه.
وقد روى في لعنه ونفيه أحاديث كثيرة، لا حاجة إِلَى ذكرها، إلا أن الأمر المقطوع به أن النَّبِيّ ﷺ مع حلمه وَإِغضائه عَلَى ما يكره، ما فعل به ذلك إلا لأمر عظيم، ولم يزل منفيًا حياة النَّبِيّ ﷺ فلما ولي أَبُو بكر الخلافة قيل له في الحكم ليرده إِلَى المدينة، فقال: ما كنت لأحل عقدة عقدها رَسُول اللَّهِ ﷺ وكذلك عمر، فلما ولي عثمان ﵄ الخلافة رده، وقال: كنت قد شفعت فيه إِلَى رَسُول اللَّهِ ﷺ فوعدني برده.