مَا أَصَابَ مِنْ أَمْوَالِهِمْ وَسَبَايَاهُمْ، أَدْرَكَهُ وَفْدُ هَوَازِنَ بِالْجِعْرَانَةِ، وَقَدْ أَسْلَمُوا، فَقَالُوا: يَا رَسُول اللَّهِ، إِنَّا أَصْلٌ وَعَشِيرَةٌ، فَامْنُنْ عَلَيْنَا مَنَّ اللَّهُ عَلَيْكَ، وَقَامَ خَطِيبُهُمْ زُهَيْرُ بْنُ صُرَدَ، فَقَالَ: يَا رَسُول اللَّهِ، إِنَّمَا سَبَيْتَ مِنَّا عَمَّاتِكَ، وَخَالاتِكَ، وَحَوَاضِنَكَ اللَّاتِي كَفَلْنَكَ، وَلَوْ أَنَّا مَلَحْنَا لِلْحَارِثِ بْنِ أَبِي شِمْرٍ، وَالنُّعْمَانَ بْنِ الْمُنْذِرِ، ثُمَّ نَزَلَ مِنَّا أَحَدُهُمَا بِمِثْلِ مَا نَزَلْتَ بِهِ، لَرَجَوْنَا عَطْفَهُ وَعَائِدَتَهُ، وَأَنْتَ خَيْرُ الْمَكْفُولِينَ.
ثُمَّ أَنْشَدَهُ أَبْيَاتًا قَالَهَا:
امْنُنْ عَلَيْنَا رَسُول اللَّهِ فِي كَرَمِ … فَإِنَّكَ الْمَرْءُ نَرْجُوهُ وَنَدَّخِرُ
امْنُنْ عَلَى بَيْضَةٍ اعْتَافَهَا قَدَرُ … مُمَزَّقٌ شَمْلُهَا فِي دَهْرِهَا غِيَرُ
أَبْقَتْ لَنَا الْحَرْبُ تَهْتَانَا عَلَى حَزَنِ … عَلَى قُلُوبِهِمُ الْغَمَّاءُ وَالْغَمَرُ
إِنْ لَمْ تُدَارِكْهَا نَعْمَاءُ تَنْشَرُهَا …
يَا أَرْجَحَ النَّاسِ حِلْمًا حِينَ يَخْتَبِرُ
امْنُنْ عَلَى نِسْوَةٍ قَدْ كُنْتَ تَرْضَعُهَا … إِذْ فُوكَ يَمْلَؤُهُ مِنْ مَحْضِهَا دِرَرُ
إِذْ كُنْتَ طِفْلًا صَغِيرًا كُنْتَ تَرْضَعُهَا … إِذْ يَزِينُكَ مَا تَأْتِي وَمَا تَذَرُ
لا تَجْعَلَنَا كَمَنْ شَالَتْ نَعَامَتُهُ … وَاسْتَبَقَ مِنَّا فَإِنَّا مَعْشَرٌ زُهُرُ
إِنَّا لَنَشْكُرُ آلاءَ وَإِنْ كُفِرَتْ … وَعِنْدَنَا بَعْدَ هَذَا الْيَوْمِ مُدَّخَرُ
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فَقَالَ رَسُول اللَّهِ ﷺ: «نِسَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ أَحَبُّ إِلَيْكُمْ أَمْ أَمْوَالُكُمْ؟» فَقَالُوا: يا رَسُول اللَّهِ، خَيَّرْتَنَا بَيْنَ أَحَسَابِنَا وَبَيْنَ أَمْوَالِنَا، أَبْنَاؤُنَا وَنِسَاؤُنَا أَحَبُّ إِلَيْنَا.
فَقَالَ رَسُول اللَّهِ ﷺ: «أَمَّا مَا كَانَ لِي وَلِبَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَهُوَ لَكُمْ، وَإِذَا أَنَا صَلَّيْتُ بِالنَّاسِ فَقُومُوا فَقُولُوا: إِنَّا نَسْتَشْفِعُ بِرَسُول اللَّهِ ﷺ إِلَى الْمُسْلِمِينَ، وَبِالْمُسْلِمِينَ إِلَى رَسُول اللَّهِ ﷺ فِي أَبْنَائِنَا وَنِسَائِنَا، فَسَأُعْطِيكُمْ عِنْدَ ذَلِكَ وَأَسْأَلُ لَكُمْ».
فَلَمَّا صَلَّى رَسُول اللَّهِ ﷺ بِالنَّاسِ الظُّهْرَ، قَامُوا فَقَالُوا مَا أَمَرَهُمْ رَسُول اللَّهِ ﷺ. فَقَالَ رَسُول اللَّهِ ﷺ: «مَا كَانَ لِي وَلِبَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَهُوَ لَكُمْ».
فَقَالَ الْمُهَاجِرُونَ: مَا كَانَ لَنَا فَهُوَ لِرَسُولِ اللَّهِ، وَقَالَتِ الأَنْصَارُ: مَا كَانَ لَنَا فَهُوَ لِرَسُول اللَّهِ ﷺ. فَقَالَ الأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ: أَمَّا أَنَا وَبَنُو تَمِيمٍ فَلا.
وقَالَ عَبَّاسُ بْنُ مِرْدَاسٍ السُّلَمِيُّ: أَمَّا أَنَا وَبَنُو سُلَيْمٍ فَلا.
فَقَالَتْ بَنُو سُلَيْمٍ: بَلَى، مَا كَانَ لَنَا فَهُوَ لِرَسُولِ اللَّهِ.
وقَالَ عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنٍ: أَمَّا أَنَا وَبَنُو فَزَارَةَ فَلا.
فَقَالَ رَسُول اللَّهِ: «مَنْ أَمْسَكَ بِحَقِّهِ مِنْكُمْ فَلَهُ بِكُلِّ إِنْسَانٍ سِتٌّ فَرَائِضَ مِنْ أَوَّلِ فَيْءٍ نُصِيبُهُ.
فَرَدُّوا إِلَى النَّاسِ نِسَاءَهُمْ وَأَبْنَاءَهُمْ».
أَخْرَجَهُ الثَّلاثَةُ