[بعض الآثار الواردة في من عارض حديث النبي بعقله]
قال: [وعن عبادة بن الصامت أنه خرج مع رجل إلى أرض الروم، فنظر إلى الناس وهم يتبايعون كسرة الذهب بالدنانير، وكسرة الفضة بالدراهم.
فقال: يا أيها الناس! إنكم تأكلون الربا].
مع العلم أن عبادة بن الصامت مشهور في الصحابة بشدته وغلظته في الدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فهنا قال لهم: يا أيها الناس! إنكم تأكلون الربا، [سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (لا تبايعوا الذهب إلا مثلاً بمثل، لا زيادة بينهما ولا نظرة)].
قوله: (لا زيادة)، يعني: لا تفاضل، (ولا نظرة)، يعني: لا نسيئة، فلا بد من التقابض في المجلس.
قال: [فقال رجل: لا أرى الربا يكون في هذا إلا ما كان من نظرة].
أي: أنه يقول له: يا عبادة! أتيتنا البارحة، ثم أنت اليوم تقول: إننا نتعامل بالربا، كم عمرك يا عبادة؟ ثلاثون أو أربعون؟ نحن نتعامل بهذه المعاملة من قبل خمسين سنة فما أدراك أنت؟ وكأنك تحدث والدك بالضبط، تقول له: يا أبت! لا يصح أن تصلي بهذه الطريقة، إنك بهذا تنقر الصلاة نقر الغراب، وتقعي في صلاتك كإقعاء الكلب، فيقول لك: وما شأنك بي؟ أبسبب أنك حضرت في مسجد أهل السنة درسين أو ثلاثة تأتي وتقول: إن الصلاة كلها خاطئة، أتأتي تعلمني ولي خمسون سنة وأنا أصلي ولا أحد قال لي هذا الكلام؟! قال: [فقال رجل: لا أرى الربا يكون في هذا إلا ما كان من نظرة.
فقال عبادة: أحدثك عن رسول الله وتحدثني عن رأيك، لئن أخرجني الله لا أساكنك بأرض لك عليَّ فيها إمرة.
فلما قفل لحق بالمدينة -أي: لما رجع إلى البلد رجع إلى المدينة- فقال له عمر رضي الله عنه: ما أقدمك يا أبا الوليد؟ فقص عليه القصة، فقال: ارجع إلى أرضك وبلدك، ولا إمرة له عليك].
وهذا يدل على أن السائل كان مع معاوية.
والراوي لم يذكر أنه معاوية، مع أنها مفهومة، لكنه لم يذكره تأدباً.
وفي رواية البخاري: [ارجع إلى أرضك وبلدك ولا إمرة له عليك؛ فقبح الله أرضاً لست فيها وأمثالك].
أي: أن أرضاً ليس فيها شخص من أمثالك يأخذ علمك؛ كادت هذه الأرض أن تهلك.
قال: [وعن عطاء بن يسار: (أن رجلاً باع كسرة من ذهب أو ورق -فضة- بأكثر من وزنها، فقال له أبو الدرداء: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن مثل هذا إلا مثلاً بمثل، فقال الرجل: ما أرى بمثل هذا بأساً.
فقال أبو الدرداء: من يعذرني من فلان، أحدثه عن رسول الله ويخبرني عن رأيه؟! لا أساكنك بأرض أنت بها، ثم قدم أبو الدرداء على عمر بن الخطاب رضي الله عنه فذكر ذلك له، فكتب عمر بن الخطاب إلى الرجل: أن لا تبيع ذلك إلا مثلاً بمثل وزناً بوزن)].
هل تعرفو هذه المخالفات يا إخواني؟! نحن في زمان نتمنى أن تكون معاصينا متمثلة في ذلك، يعني: بعد ضياع الحكم وضياع الدين والشريعة بأكملها نتمنى أن تكون معاصينا على قدر ما أنكره الصحابة فيما بينهم، إي والله! وذلك مصداقاً لقوله عليه الصلاة والسلام: (لا يأتي زمان إلا والذي بعده شر منه).
قال: [عن الأعرج قال: سمعت أبا سعيد الخدري يقول لرجل: (أتسمعني أحدث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه قال: لا تبيعوا الدينار بالدينار والدرهم بالدرهم إلا مثلاً بمثل، ولا تبيعوا منها عاجلاً بآجل، ثم أنت تفتي بما تفتي؟! والله لا يؤويني وإياك ما عشت إلا المسجد).
أي: لا يمكن أن أجتمع بك في مكان إلا في المسجد؛ لأنه لا فكاك لي من حضور الجماعة وأنت تحضر الجماعة، أما أن أجتمع معك في قافلة أو في رحلة أو غير ذلك، فلا يمكن أبداً.
قال: [وعن عبد الله بن مغفل رضي الله عنه قال: (نهى النبي عليه الصلاة والسلام عن الخذف)]، والخذف كنا نفعله قديماً ونحن نرعى الغنم، فنأتي بالعصا الطويلة التي نسوق بها الغنم، وننظر من الذي سيوصلها أبعد من الآخر؟ الذي يحرز مائة متر أو ثلاثمائة متر، وهذا الخذف قد نهى عنه النبي عليه الصلاة والسلام بقوله: (فإنه يفقأ العين ولا ينكأ العدو)، يعني: أن الخذف لا يذهب عنك العدو، بل قد يأتي في عين أخيك فيقلعها؛ فنهى النبي عليه الصلاة والسلام عن الخذف، [وقال: (إنها لا تصطاد صيداً، ولا تنكأ عدواً، ولكنها تفقأ العين، وتكسر السن).
فقال رجل لـ عبد الله بن مغفل: وما بأس هذا؟ فقال: إني أحدثك عن رسول الله وتقول هذا! والله لا أكلمك أبداً].