[قول الإمام الشافعي في الحلف بأسماء الله والحلف بالمخلوقات]
قال: [كتب لي أبو محمد بن أبي حاتم الرازي أجازني الرواية عنه، قال: حدثنا الربيع بن سليمان المصري في أول لقاء لقيه في المسجد الجامع، فسألته عن هذه الحكاية، وذلك أني كتبتها عن أبي بكر بن القاسم عنه قبل خروجي من مصر، فحدثني الربيع قال: سمعت الشافعي رحمه الله يقول: من حلف باسم من أسماء الله فحنث فعليه الكفارة].
كما لو قلت: والعزيز والسميع والبصير، فمن حلف باسم من أسماء الله فحنث فعليه الكفارة، وأنتم تعلمون أن الكفارة لابد أن تكون في اليمين المشروع.
قال: [لأن اسم الله غير مخلوق].
وأسماء الله تعالى قد وردت في كتابه الكريم، والكتاب كله ليس مخلوقاً وكلام الله تعالى كله ليس مخلوقاً.
إذاً: الأسماء الواردة في القرآن الكريم لكونه كلام الله ليس مخلوقاً، وكذلك بقية الأسماء الواردة في السنة.
قال: [ومن حلف بالكعبة أو بالصفا والمروة فليس عليه الكفارة؛ لأنه مخلوق وذاك غير مخلوق].
أي: أن أسماء الله غير مخلوقة، وما دون ذلك من الكعبة أو الصفا والمروة أو الأنبياء أو السماء أو الأرض أو الجبال أو غير ذلك من سائر المخلوقات فإنها مخلوقة ولا كفارة فيها، وبالتالي يلزم الحالف بها أن يتوب إلى الله عز وجل.
تعليقاً على كلام الشافعي رحمه الله: من حلف باسم من أسماء الله فحنث فعليه الكفارة -يعني: اسم الله غير مخلوق- ومن حلف بالكعبة أو بالصفا والمروة فليس عليه الكفارة؛ لأنه مخلوق وذاك غير مخلوق.
قال: حكى الربيع عن الشافعي رضي الله عنه أنه قال: من حلف بالله أو باسم من أسماء الله فحنث فعليه الكفارة، فإن قال: وحق الله وعظمة الله وجلال الله وقدرة الله، يريد بها اليمين أو لا نية له فهو يمين، ثم ذكر باقي الكلام.
قال: ولا يجوز الحلف بغير الله تعالى لما ورد في الحديث: أن ابن عمر سمع رجلاً يقول: لا والكعبة، فقال ابن عمر: لا يحلف بغير الله -أي: بغير الله وأسمائه وصفاته- فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك).
وهذا بلا شك كفر عملي، أو شرك عملي؛ لأنه لو كان كفراً اعتقادياً فهو مخرج من الملة، فأنتم تعلمون أن يمين المصريين بالنبي صلى الله عليه وسلم عن بكرة أبيهم إلا من تعلم، سواء كانوا يقصدون به اليمين أو لا يقصدون، المهم أن يمينهم يسبقه الواو أو التاء أو الباء، وهذه أحرف القسم.
قال ابن عمر: سمعت النبي عليه الصلاة والسلام يقول: (من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك).
قال الترمذي: وفسر هذا الحديث عند بعض أهل العلم أن قوله: (فقد كفر أو أشرك) على التغليظ، يعني: المراد بهذا النص ليس ظاهره وإنما هو التغليظ، والحجة في ذلك: حديث ابن عمر: أن النبي عليه الصلاة والسلام يقول: (وأبي وأبي -كالمنكر على من قال ذلك- فقال: ألا إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم) فمن الناس من يقول: ورحمة أبي، فيقال: ما دام قد حلف برحمة أبيه فهو صادق.
فإن قلت له: وإن حلف بالله؟ لقال: محتمل قد يكون صادقاً، وقد يكون كاذباً، وإن قلت له: فإن حلف بتربة أبيه؟ لقال لك: هي أعز من رحمة أبيه، فلا يمكن أبداً أن يكون كاذباً في هذا اليمين.
وهذا هو شأن العراقيين، فالعراقي يحلف بالله فيكون كذاباً، وإن حلف بشرف صدام وكان كاذباً فيه فمصيره الإعدام لا محالة، عجيب! كان لدينا صاحب عام (١٩٨٣) م في الأردن، أخذ سيارته وسافر إلى العراق، وجلس هناك فترة من الزمن، وجاء بدولارات معه، وكان يمنع خروج الدولارات في تلك الأيام من العراق، فجاء صاحبنا بحبل من الحبال المغلفة بالبلاستيك، ووضع مكان السلسلة دولارات، فكانت الدولارات داخل الغلاف البلاستيك غير ظاهرة؛ لأن الغلاف سميك، فخرج من العراق بسيارته، فأخبر عنه من أخبر أنه قد خرج بالدولارات -طبعاً هذه جريمة لا تغتفر- فتبعه أربعة من الضباط الكبار، فأدركوه على الطريق، فقالوا: معك دولارات؟ قال لهم: لا.
ليس معي دولارات.
قالوا: جنب السيارة.
فجنب السيارة على اليمين، وأخذوا يفتشون السيارة شمالاً ويميناً، إلى أن فكوا العجلات وما وجدوا شيئاً، ونزعوا الكراسي وقطعوها قطعاً فما وجدوا شيئاً، فلما فتحوا شنطة السيارة أخذوا هذا الحبل ورموه على الأرض، واستمر التفتفيش ثلاث ساعات أو أربع ساعات وما وجدوا شيئاً.
قالوا: أمعك دولارات؟ قال لهم: لا.
قالوا: أتحلف بشرف صدام أنه ليس معك دولارات.
قال لهم: إذا حلفت بشرف صدام أنه ليس معي دولارات؟ قالوا: إذا حلفت بشرف صدام سنتركك.
فقال: وشرف صدام معي دولارات.
قالوا: أين؟ قال لهم: في الخرطوم الذي رميتموه على الأرض، فأخذوا الخرطوم ومزقوه حتى أخرجوا الدولارات كلها، ولم يجرءوا قط أن يمسوه بأدنى أذى؛ لأن الذي سيتو