للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حكم حديث الترمذي في سرد أسماء الله الحسنى]

السؤال

الأخ يسأل عن الحديث الذي أخرجه الترمذي وفيه إثبات أسماء الله تعالى الحسنى؟

الجواب

هو حديث ضعيف، لأنه من زيادات بقية، وبقية إذا تفرد فهو ضعيف، وللأسف الشديد أنه مشهور جداً، وكثيراً ما نجد حتى الإخوة من أهل السنة يعلقون الورقة المكتوب فيها أسماء الله عز وجل في برواز فاخر في بيوتهم أو في محلاتهم أو غير ذلك، في حين أن هذه الأسماء فيها أسماء ليست من أسماء الله عز وجل، فحديث الترمذي الذي سرد تسعة وتسعين اسماً فيها أربعة أسماء ليست من أسماء الله عز وجل، وهي: الباقي، والستار، والمنعم، والمنتقم.

وباب الإخبار باب عظيم جداً، وباب واسع وطويل، ولا بأس به، إنما باب الإثبات يحتاج إلى توقف ودليل، فإذا قلت إن الله هو المنتقم فهذا إثبات لاسم من أسمائه، ولم يذكر الله تعالى في الكتاب أنه منتقم، ولكنه أخبر عن نفسه أنه ينتقم، ولا يذكر الله الانتقام إلا في مقابلة إجرام كما قال تعالى: {إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنتَقِمُونَ} [السجدة:٢٢]، ولذلك لم يجوز أهل العلم إطلاق اسم المنتقم على الله عز وجل مطلقاً؛ لأن الله تعالى لم يتسمى بهذا ولم يسمه به رسوله صلى الله عليه وسلم، وما ذكرك له ذلك إلا في مقابلة إجرام المجرمين، كما قال تعالى: {إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا * وَأَكِيدُ كَيْدًا} [الطارق:١٥ - ١٦]، فلا يسمى الله تعالى بالكائد، ولكن الله تعالى ذكر أنه يكيد لمن كاد، وهذا إثبات لعظمة الله عز وجل، وهو في هذا السياق صفة كمال، وكذلك الانتقام من المجرم صفة كمال لله.

تصور أن الله تعالى لا ينتقم من المجرمين فهذا ليس عدلاً! لما تقابل شخصاً مجرماً، وأنت تعتقد أن الله تعالى لا ينتقم من هذا المجرم ستتحسر، لكن لو أن عندك يقين أن الله سينتقم من هذا المجرم إن لم يتب وأنه لن يفلت من قبضة الله عز وجل ومن عذابه ومن سطوته وجبروته سبحانه وتعالى، فأنت ترتاح جداً أن الله تعالى عنده من العذاب ما ليس عندك، وعنده من الانتقام ما ليس عندك، فهذا يتناسب مع عظمته وكماله سبحانه وتعالى.

وكما قال الله تعالى: {وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ} [الأنفال:٣٠]، فلا يسمى الله تعالى بالماكر ابتداءً، إنما يوصف بالمكر في مقابلة مكر الماكرين.

يعني: مهما تمكرون فإن الله تعالى أشد مكراً منكم، فأين المفر من الله؟ فهذه صفة كمال لله، لا يمكن أن يشتق من هذه الأخبار أسماء، ولكنها أخبار، أو تسمى صفات المعاني، وبابها واسع جداً.

والله تعالى يقول: {وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ} [الأحزاب:٣٧] فلو قلنا: إن الله تعالى من أسمائه المنعم، لكان لزاماً أن نقول أن من أسماء النبي صلى الله عليه وسلم أيضاً المنعم؛ لأن الآية تقول: {وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ} [الأحزاب:٣٧]، فعطف إنعام الرسول على إنعام الله، فحينئذ ليس من أسماء الله المنعم، ولكن الله تبارك وتعالى أخبر عن نفسه أنه أنعم على عباده، فهذا خبر وليس صفة ولا اسماً.

ولذلك اتفقت كلمة أهل السنة أن الاسم المجرد إذا كان ظاهره النقص فلا ينسب لله عز وجل لوحده وإنما ينسب في المقابل كما تقول: هو النافع الضار، فلا تقل: هو الضار فقط؛ لأن الله تعالى لا يوصف بالضار ابتداءً، وإنما يوصف بالنفع والضر، فهو الذي يملك النفع والضر في آن واحد، فإذا ذكرت هذا، فاذكر الأول مع الثاني حتى تثبت أن النفع والضر بيد الله، فالصفات التي ظاهرها السلب والنقص لله وإن كانت ثابتة لا تذكرها إلا مع ما يقابلها.