[اختلاف الفرق المخالفة لمنهج أهل السنة في تعريف الإيمان والرد عليهم]
[قال الإمام: فتفهموا رحمكم الله هذا الخطاب، وتدبروا كلام ربكم عز وجل، وانظروا هل ميز الإيمان من العمل؟] يعني: هل جعل العمل شيئاً والإيمان شيئاً آخر؟ [أو هل أخبر في شيء من هذه الآيات أنه ورث الجنة لأحد بقوله دون عمله؟ ألا ترون إلى قوله عز وجل: {وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} [الزخرف:٧٢] ولم يقل: بما كنتم تقولون].
لأن المرجئة يقولون: الإيمان هو التصديق.
والجهمية يقولون: الإيمان هو المعرفة، ومنهم من يقول: الإيمان هو العلم.
وإبليس عليه لعنة الله يعرف جيداً أن الله تعالى إله واحد، ويعلم ذلك علماً يقينياً، فهل يكون بذلك مؤمناً؟ فالجهمية يقولون: الإيمان هو المعرفة أو العلم، ولا يشترطون النطق به.
والمرجئة يقولون: يشترط النطق باللسان الذي يدل على تصديق القلب، ويقولون الإيمان هو التصديق.
وكلاهما في غاية البطلان والفساد، لأن المرجئة يقولون: إذا صدق المرء بقلبه ونطق بلسانه فلا علاقة للعمل حينئذ بهذا الإيمان، ويكفي أنه نطق بالشهادتين، فيثبت له كمال الإيمان وتمامه، فإيمانه كإيمان جبريل أو كإيمان الملائكة الذين فطروا على عبادة الله عز وجل.
فلو أن الواحد صدق بلسانه وبقلبه فهو عند المرجئة مؤمن كامل الإيمان وإن ارتكب جميع الفواحش والمنكرات، والأمر أشد من ذلك ضلالاً عند الجهمية، فلو أنه ترك كل أمر وارتكب كل نهي، فلا يضره ذلك عندهم.
فالمرجئة يناقشون أهل السنة ويقولون: هل ينفع مع الشرك عمل؟ الجواب عند أهل السنة: لا ينفع؛ لأن الله تعالى يقول: {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} [الزمر:٦٥]، ويقول تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ} [النساء:٤٨] من الكبائر والصغائر، فهي في مشيئة الله تعالى.
يقولون: كما لا ينفع مع الشرك عمل فإنه لا يضر مع الإيمان معصية، وانظروا إلى مدى قول المرجئة! فإن هذا كلام لا يستقيم أبداً.
[وقال الله تعالى: {لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى} [النجم:٣١]، ولو كان العمل لا يضر الإيمان زيادة ونقصاناً أو إزالة من الأصل، فكيف يحاسبهم الله تعالى ويجازيهم على إساءتهم العمل في حياتهم الدنيا.
قال تعالى: {لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى} [النجم:٣١] ففرق الله تعالى بين المسيء والمحسن، وجعل الإساءة والإحسان متعلقين بالعمل، ورتب على هذا العمل ثواباً وعقاباً، أما من أساء فيعاقبه الله، وأما من أحسن في عمله فيجازيه الله عز وجل.
[ولم يقل: بما قالوا]، أي: بل قال: ((لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا)) لأنه قد قال كلمة الإيمان وفرغ منها ولكنه أساء العمل، ومع هذا فإنه داخل في المحاسبة والمجازاة، ولو كان العمل لا علاقة له بالإيمان فإن الله لا يحاسبه عليه، ويكفي أنه تلفظ بهذا الإيمان، فلما جازاه الله تعالى على عمله دل أن العمل من الإيمان.
[وقال تعالى: {لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} [هود:٧] ولم يقل: أحسن قولاً]؛ لأن القول لو كان هو المراد دون غيره، وأن العمل لا علاقة له؛ لما كان في محاسبة هذا العبد عدل، والله تبارك وتعالى متصف بكمال العدل، منزه عن الظلم والنقص.
[وقال الله تعالى في قصة الكفار: {فَهَلْ لَنَا مِنْ شُفَعَاءَ فَيَشْفَعُوا لَنَا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ} [الأعراف:٥٣]]، فالكفار يوم القيامة علموا أن سبب ورودهم جهنم ما كانوا يعملون، [ولم يقولوا: غير الذي كنا نقول]، أي: وإنما قالوا: {فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ} [الأعراف:٥٣].
[وقال عز وجل: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا} [البقرة:٢٨٥]]، الإيمان بالكتب والرسل يستلزم الإيمان بالأمر والنهي عملاً وتركاً.
ومعنى أنك مؤمن بكتاب الله تعالى هو: أنك تعظم كتاب الله تعالى، وتشرف كتاب الله تعالى، وتحفظ كتاب الله تعالى، وتعمل بأوامره وتنتهي بنواهيه، وتؤمن أنه كله من عند الله، وهذا كله عمل.
ومن قال: أنا أحب كتاب الله ولكني لا أعمل بهذه الآية، فإنه يكفر بهذا القول، فلو أنه جحد أو أنكر آية واحدة من كتاب الله كفر بهذا حتى وإن عمل بها، لأنه تلفظ بلفظ الكفر، كمن يقول: أنا لا أؤمن أن الله تعالى حرم الزنا وإن كنت لا أزني، فقد أنكر معلوماً من الدين بالضرورة، أو يقول: الله تعالى لم يحرم الخمر وإن كنت لا أشربها، فالكفر يكون بالقول كما يكون بالعمل.
[فلم يفرد الإيمان حتى قال: ((كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَ