قال:[واختص برحمته من يشاء من عباده، فشرح صدورهم للإيمان به، وحببه إليهم، وزينه في قلوبهم، وكره إليهم الكفر والفسوق والعصيان، وسماهم راشدين، وأثنى عليهم بإحسانه إليهم].
يعني: هو الذي أحسن إليهم، ومع هذا أثنى عليهم بعد ذلك، كما أن الله تعالى كتب الشقاء على الأشقياء كتابة قدرية كونية، وذمهم على ذلك؛ لأن الله تعالى علم أنهم سيختارون طريق الغواية والضلال.
ثم الطريق المقابل -نسأل الله أن يجعلنا منهم- أهل الإيمان الذين حبب الله تعالى إليهم الإيمان، وزينه في قلوبهم، وكره إليهم الكفر والفسوق والعصيان، وأحسن إليهم، ثم مدحهم وأثنى عليهم، مع أن ذلك من فضل الله عز وجل، ولو أراد الله تعالى أن يضيق صدورنا لفعل، ولكن الله تعالى رحمة منه وفضلاً جعلنا مؤمنين.
قال: [لأنه خصهم بالنعمة قبل أن يعرفوه، وبدأهم بالهداية قبل أن يسألوه، ودلهم بنفسه من نفسه على نفسه رحمة منه لهم، وعناية بهم من غير أن يستحقوه، وصنع بهم ما وجب عليهم شكره، فشكرهم هو على إحسانه إليهم قبل أن يشكروه، وابتاع منهم ملكه الذي هو له وهم لا يملكونه، وجعل ثمن ذلك ما لا يحسنون أن يطلبوه، فقال:{إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ}[التوبة:١١١]].
مع أنه في حقيقة الأمر هم لا يقدرون على أن يدفعوا ثمن الجنة، فربنا سبحانه وتعالى جعل الجنة دار نعيم يجزي بها أولياءه، وأنا لو عملت كيت وكيت وكيت فلن أستحق أدنى نعيم في الجنة، يعني: ليس على قدر ما تأخذ على قدر ما تعطي، فإن الجنة أحسن من ذلك بكثير، ويكفي فيها النظر إلى وجه الله الكريم، ولو أعطى ربنا أحدنا مليون سنة فعبد الله تعالى فيها بالليل والنهار، فهل يبلغ في المكافأة رؤية المولى عز وجل؟ أبداً، بل لا يزال المهر بسيطاً، بل والله إن الواحد منا لا يستحق الحور العين التي هي مخلوقة من المخلوقات، الحور العين التي ترى مخ ساقها من تحت سبعين ثوباً، وإذا نظرت في خدها رأيت صورتك فيها، فضلاً عن الجنة وما فيها، إذ فيها غرف يرى باطنها من ظاهرها، وظاهرها من باطنها، (أقل أهل الجنة نعيماً: رجل أخرجه الله تعالى من النار، وجعله يسلك الطريق المؤدي إلى الجنة، فلما رأى شجرة من بعيد قال: رب أدنني من هذه الشجرة، قال: لعلك لو دنوت منها سألتني شيئاً غيرها، قال: لا وعزتك وجلالك لا أسألك غير ذلك، فلما أدناه منها رأى شجرة أخرى على باب الجنة فقال: يا رب! أدنني من هذه الشجرة التي عند باب الجنة، قال: ما أغدرك يا ابن آدم! ألم أقل كذا وقلت: كذا؟ فقال: يا رب! إن أدنيتني منها لا أسألك شيئاً بعدها، فلما أدناه من الشجرة التي على باب الجنة نظر إلى الجنة ونعيمها فقال: رب! أسألك برحمتك أن تدخلني الجنة؟ قال: ما أغدرك يا ابن آدم!)، وفي نهاية الحديث: فأدخله الله الجنة فقال له: (تمن)، فتمنى العبد كيت وكيت وكيت وكيت، (فإذا خلصت أمنياته ذكره الله تعالى، قال: تمن كذا وتمن كذا وتمن كذا وتمن كذا)، والله تعالى يذكره أن يتمنى، فلما تمنى كل شيء من عند نفسه ومما ذكره الله تعالى به قال النبي عليه الصلاة والسلام: قال الله تعالى: (فلك مثل الدنيا وعشرة أمثالها)، وفي رواية:(لك مثل الدنيا ومثلها ومثلها ومثلها ومثلها) حتى عد عشرة أمثالها، ليس مصر ولا القاهرة ولا الجيزة ولا الإسكندرية، بل الدنيا بأسرها، وهذا نعيم آخر رجل يدخل الجنة، فكيف بأعلى نعيم لأهل الجنة؟! أولئك الأنبياء والصديقون والشهداء والصالحون وحسن أولئك رفيقاً، نسأل الله أن يجعلنا منهم.
قال: [وأثنى عليهم بإحسانه إليهم؛ لأنه خصهم بالنعمة قبل أن يعرفوه، وبدأهم بالهداية قبل أن يسألوه، ودلهم بنفسه من نفسه على نفسه رحمة منه لهم وعناية بهم من غير أن يستحقوه، وصنع بهم ما وجب عليهم شكره، فشكرهم هو على إحسانه إليهم قبل أن يشكروه، وابتاع منهم ملكه الذي هو له وهم لا يملكونه، وجعل ثمن ذلك ما لا يحسنون أن يطلبوه، فقال:{إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ}[التوبة:١١١]، ثم قال:{فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}[التوبة:١١١]، فقالوا حين قبضوا ثمن ابتياعه منهم ووصلوا إلى ربح تجارتهم:{الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ لَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ}[الأعراف:٤٣].
فيسأل الجاهل الملحد المعترض على الله تعالى في أمره والمنازع له في ملكه، الذي يقول: كيف قضى الله علي المعصية؟].
أي: لماذا كتب الله علي المعصية؟! إذا قلنا: إن العبرة بالخواتيم، ساعتها يا إخواني! الواحد منا دائماً بعد الذنب وبعد التوبة منه يكون أحسن حالاً من قبل الذنب؛ ولذلك العلماء يقولون: رب معصية أدخلت صاح