[كل يؤخذ من قوله ويترك إلا النبي عليه الصلاة والسلام]
ولا بد أن تعتقدوا قضية مهمة جداً وهي: أن علماء المسلمين ودعاة المسلمين هم في نهاية أمرهم بشر ممن خلق الله عز وجل، فليسوا أنبياء ولا ملائكة، وهذا يعني أنهم ليسوا بمعصومين، فيقع منهم الحق والباطل، والخطأ والصواب؛ لأن كثيراً من أجيال الصحوة ينظر إلى شيخه وداعيته على أنه معصوم، فإذا ذكر منه الخطأ سقط برمته مهما كثرت حسناته، والخصم في هذه القضية هو المدعو لا الداعية؛ لأنه داعية منطلق في طريقه، يصيب مرة ويخطئ أخرى، لكنه على أية حال يفهم القضية ويفهم أنه غير معصوم، ويلزم نفسه بالاستقامة، وما وقع منه من ظلم أو غيره فإنما وقع عن سهو، أو خطأ، أو غفلة، أو عقوبة أو غير ذلك، فلا تنصرف أنت عنه، بل الأمر كما قال مالك: كل الناس يؤخذ من قوله ويرد إلا صاحب هذا القبر، وأشار إلى قبر النبي عليه الصلاة والسلام، قال هذا في وسط جلة من أتباع التابعين، فإذا وقع العالم في خطأ لا يهدم عمله كله بخطأ واحد، فليس هذا المنهج حقاً، أي: ليس هدم عمل العامل هو طريق الاستقامة، وإنما طريق الاستقامة أن تأخذ من كل أحد ما أصاب فيه، وأن ترد على كل أحد ما أخطأ فيه.
وهذا كلام رائع جداً، وأروع منه أن تنزله من حياتك منزلة العمل لا منزلة الحفظ فقط، وهذه أصول درج عليها أهل السنة والجماعة منذ عهد الخلفاء الراشدين يستمر بإذن الله إلى قيام الساعة.
فالأمر هنا أن الطالب الذي ينظر إلى شيخه أنه القدوة والأسوة فإن سقط مرة سقط كله؛ أنا أنصح هذا الطالب نصيحة مشفق ألا يقرب من شيخه قط، وإنما يأخذ منه خيره في مجلس العلم، وأما أن يلزمه ويصاحبه ويذهب معه ويعود معه ويأكل ويشرب وينام ويسافر ويعود معه، فيرى منه ما يرى هو من نفسه، فيقول: لا فرق بيني وبينه! فيقع هذا الإنسان في قلبه ما لا ينتفع بعد ذلك به، فأنا أنصحه والحالة هذه: أن يلزم بيته، وأن يلزم مجلس العلم ولا يقترب من الشيخ إلا أن يصافحه وينصرف، ولو ترك مصافحته لكان أولى؛ حفاظاً على الانتفاع بهذا الشيخ دائماً.