[حديث (لا يجتمع الإيمان والكفر في قلب) وما في معناه كلام السلف]
قال: [وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا يجتمع الإيمان والكفر في قلب امرئ، ولا يجتمع الصدق والكذب جميعاً في قلب مؤمن، ولا تجتمع الخيانة والأمانة جميعاً)].
قال: [وعن مصعب بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه قال: يطبع المؤمن على الخلال كلها إلا الخيانة والكذب].
يعني: المرء يطوي قلبه ويعزم نفسه على أن يتخلق بجميع الأخلاق، وربما تكون في المرء المسلم خلال وخصال لا ينبغي أن يتخلق بها؛ لأنها من أخلاق غير المسلمين، لكن الذي ينبغي أن يتنزه عنه المسلم هو الكذب والخيانة.
قال: [وعن عبد الله قال: المؤمن يطوى على كل خلة، إلا الخيانة والكذب].
قال: [وقال الحسن: كانوا يقولون: من النفاق اختلاف اللسان والقلب، واختلاف السر والعلانية، واختلاف الدخول والخروج].
يعني: كانوا يعدون هذه من خصال المنافقين؛ أن يختلف قوله عن مكنون قلبه، فيفصح بلسانه بضد ما استقر في قلبه، وكذلك اختلاف السر والعلانية، واختلاف الدخول والخروج.
قال: [وقال حذيفة: المنافقون الذين فيكم اليوم شر من المنافقين الذين كانوا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قلنا: يا أبا عبد الله! وكيف ذلك؟ قال: لأن أولئك كانوا يسرون نفاقهم، وإن هؤلاء أعلنوه].
يعني: كان المنافقون في زمن النبي عليه الصلاة والسلام لا تزال فيهم بقية من حياء، فكانوا يخفون نفاقهم، وينبغي أن تلحظ أن حذيفة رضي الله عنه القائل لهذا الكلام، إنما تكلم به في زمن التابعين، فتصور أنه يقول: المنافقون في زمن النبوة خير من المنافقين في زمانكم، فماذا لو أن حذيفة رضي الله عنه اطلع على منافقي وملاحدة هذا الزمان؟ قال الإمام الخطابي في شرح هذا الحديث: ومعناه أن المنافقين في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكونوا قد أسلموا، وإنما يظهرون الإسلام رياءً ونفاقاً، ويسرون الكفر عقداً وضميراً، فأما اليوم فقد شاع الإسلام وتوالد الناس عليه وتوارثوه -يعني: ولدوا في بيئة إسلامية- فمن نافق بأن يظهر الإسلام ويبطن خلافه فهو مرتد؛ لأن نفاقه نفاق كفر أحدثه بعد قبول الدين والإيمان.
[وقال شقيق بن سلمة: قال عبد الله بن مسعود: المنافقون الذين فيكم اليوم شر من المنافقين الذين كانوا في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قلنا: وكيف ذاك؟ قال: لأن أولئك أسروه وهؤلاء أعلنوه].
[وقال حذيفة: إنما كان النفاق على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فأما اليوم فهو الكفر بعد الإيمان].
يعني: فهو الكفر الصريح بعد الإيمان، لأنه ردة.
[وعن حذيفة لما سئل: ما النفاق؟ قال: الذي يصف الإسلام ولا يعمل به].
أي: الذي يصف الإسلام للغير ولا يعمل به.
فعمله مخالف لقوله، وهذا الذي بين لنا اختلاف الدخول والخروج، واختلاف اللسان مع عقد القلب، واختلاف السر والعلانية.
[وقال حذيفة: إن كان الرجل ليتكلم بالكلمة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فيكون بها منافقاً، وإني لأسمعها اليوم من أحدكم في المجلس عشر مرات].
وهذا دليل على أن الناس في نقصان في إيمانهم إلى قيام الساعة.
وروايات كثيرة يشهد بعضها لبعض لأن معناها واحد: [أن فلاناً وفلاناً وفلاناً كانوا جلوساً على باب حذيفة فتحدثوا بينهم بحديث، فخرج عليهم حذيفة فامتنعوا -أي: سكتوا عن الكلام- فقال حذيفة: ما كنا نعد النفاق على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا هذا، أنكم تسرون أقوالكم أمام أهل الإيمان وتفشونها إذا انصرف عنكم أهل الإيمان.
وفي رواية أنه قال: إنكم تتكلمون كلاماً إن كنا لنعده على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم النفاق، وإنها ستكون فتن بين المؤمنين].