[العبادة والإيمان]
قال ابن بطة: [وحسبك من كتاب الله عز وجل بآية جمعت كل قول طيب وكل عمل صالح وهو قوله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات:٥٦].
فإنه جمع في هذه الآية القول والعمل، والإخلاص والطاعة لعبادته وطاعته والإيمان به وبكتبه وبرسله، وما كانوا عليه من عبادة الله وطاعته].
فالعبادة عمل، والعمل من الإيمان، [فلو كانت العبادة التي خلقهم الله لها قولاً بغير عمل لما أسماها عبادة وسماها قولاً، ولقال: وما خلقت الجن والأنس إلا ليقولون]، فكونه قال ((إِلَّا لِيَعْبُدُونِ)) دل على أن العمل من الإيمان، وأنه عبادة.
[وليس يشك العقلاء أن العبادة خدمة، وأن الخدمة عمل، وأن العامل مع الله عز وجل إنما عمله أداء الفرائض واجتناب المحارم، وطاعة الله فيما أمر به من شرائع الدين وأداء الفرائض، قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمُ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ مِنْ قَبْلُ} [الحج:٧٧ - ٧٨].
فهل يخفى على ذي لب أو عقل سمع هذا الخطاب الذي نزل به نص الكتاب، أن اسم الإيمان قد انتظم التصديق بالقول والعمل والمعرفة، قال الله عز وجل: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء:٢٥].
وقال الله تعالى لنبيه: {قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} [الأنعام:١٦٢ - ١٦٣].
فدل على أن الصلاة والحج والنسك والذبح والهدي، بل المحيا والممات عموماً كلها لله عز وجل.
وقال الله تعالى: {وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ * وَأَنْ أَقِيمُوا الصَّلاةَ وَاتَّقُوهُ وَهُوَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} [الأنعام:٧١ - ٧٢].
وإقام الصلاة هو العمل، وهو الدين الذي أرسل الله تعالى به المرسلين وأمر به المؤمنين، فما ظنكم رحمكم الله بمن يقول: الصلاة ليست من الإيمان! وأن ترك الصلاة ليس شركاً! والله عز وجل يقول: {مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [الروم:٣١]].
فهذا يدل على أن من ترك الصلاة قد أتى شعبة من شعب الشرك أو وقع في الشرك، [فجعل الله من ترك الصلاة مشركاً خارجاً من الإيمان؛ لأن هذا الخطاب للمؤمنين؛ تحذير لهم أن يتركوا الصلاة فيخرجوا من الإيمان ويكونوا كالمشركين.
قال عز وجل: {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُوْلَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ} [التوبة:١٨].
فقوله: ((مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ)) فلم يفرق بين الإيمان وبين الصلاة والزكاة، فمن لم يؤمن لم تنفعه الصلاة، ومن لم يصل لم ينفعه الإيمان، واستبدل بمحل الصلاة من الإيمان ونزولها منه بالذروة العليا، وأن الله تعالى فرضها بالطهارة بالماء، فلا تجزئ الصلاة إلا بالطهارة، فإذا عجز عن الطهارة بالماء فإنه يجب عليه أن يتطهر بالتراب عوضاً من الماء؛ لئلا يجد أحد في ترك الصلاة مندوحة، ولا في تأخيرها عن وقتها رخصة، وكذلك فرض الله تعالى عليهم الصلاة في حال شدة الخوف ومبارزة العدو، فأمرهم بإقامتها على الحال التي هم فيها، فعلمهم كيف يؤدونها، فلا يكون أحد أعظم جهلاً، وأقل علماً، وأضل عن سواء السبيل، وأشد تكذيباً لكتاب الله وسنة رسوله، وسنة الإيمان وشريعة الإسلام؛ ممن علم أن الله عز وجل قد فرض الصلاة وجعل محلها من الإيمان هذا المحل، وموضعها من الدين هذا الموضع، وألزم الله تعالى عباده إقامتها هذا الإلزام في هذه الأحايين كلها مع الضيق والشدة والعنت، وأمر بالمحافظة والمواظبة عليها على هذه الشدائد والضرورات، فيخالف ذلك إلى اتباع هواه، وإيثاره إلى رأيه المحدث الذي ضل به عن سواء السبيل، وأضل به من اتبعه فصار ممن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى واتبع غير سبيل المؤمنين، فولاه الله ما تولى وأصلاه جهنم وساءت مصيراً.
قال الإمام: فقد تلوت عليكم من كتاب الله عز وجل ما يدل العقلاء من المؤمنين أن الإيمان قول وعمل]، أي: هذه الأدلة من الكتاب التي يثبت بها أن الإيمان قول وعمل، وأن الإيمان بلا عمل لا ينفع صاحبه، وأن العمل بغير إيمان لا ينفع صاحبه حتى يؤمن ويعمل صالحاً.
[وأن من صدق بالقول وتر