للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[موضوع كتاب الإبانة لابن بطة]

أما موضوع الكتاب فهو: الإبانة عن شريعة الفرقة الناجية ومجانبة الفرق المذمومة، وأنه في العقيدة أو في أصول الاعتقاد.

وهذا الكتاب ليس هو الكتاب الوحيد الذي صنف في هذا الباب بل كتب كثيرة جداً على منواله صنفت في أصول الاعتقاد، وأحياناً يطلق المصنف على ما صنف باسم السنة أو شرح السنة، مثل: كتاب السنة للإمام أحمد بن حنبل ولولده عبد الله، وكتاب السنة لـ ابن أبي عاصم، والسنة للأثرم، والسنة لـ محمد بن نصر المروزي، وشرح السنة لـ ابن شاهين، وشرح أصول اعتقاد أهل السنة للالكائي، وشرح السنة للبغوي وغيرها.

والمقصود بالسنة هنا: مخالفة البدع، ويهدف مؤلفو هذه الكتب في السنة أو في عقيدة السلف إلى إبراز عقيدة السلف كما كانت، خالصة من شوائب الفرق الأخرى وشبهها؛ وذلك من خلال روايتهم للأحاديث والآثار الواردة في هذه العقيدة، وهذه الكتب جميعها يكاد أن يكون نهجها واحداً، وهو ذكر عقائد السلف الصالح عن طريق رواية الأحاديث والآثار الواردة في جميع أبواب العقيدة السلفية، لاسيما ذكر من كان بارزاً ومشهوراً من السلف، حيث تذكر عقائدهم بالتفصيل مقرونة بأسمائهم.

فهذا باب عظيم جداً تصدى له علماء السلف في إظهار مسائل الاعتقاد التي خالف فيها أهل البدع.

والصحابة رضي الله عنهم لم يؤلفوا كتاباً في أصول العقيدة، لأن الأمر كان على الفطرة في ذلك الوقت، فلم تكن الأمة في حاجة إلى تصنيف يحفظ عليها أمر عقيدتها؛ لأنها محفوظة والعلم منتشر، وأي إنسان يرفع عقيرته يضرب على رأسه بالنعال أو بالجريد.

إذاً: لا حاجة للسلف حينئذ أن يكتبوا وأن يحذروا الأمة من الجحد بالقرآن مثلاً؛ لأن الجاحد يؤخذ على رأسه، لكن لما انتشر هذا الفكر وتفشى وصار ظاهرة في الأمة صنف العلماء في هذه المسائل التي خالف فيها أهل الفرق، وفي كل عصر وفي كل مكان تظهر بدعة، فاضطر أهل السنة إلى الرد عليها من باب الرد على المخالفين أو المبتدعين، وهذا أمر ليس محدثاً، وإنما هو أمر قديم قد تطرق إليه سلف الأمة رضي الله عنهم أجمعين.

فعندما يخرج مبتدع ببدعة لا يردون عليه، حتى إذا انتشرت بدعته وصار خطرها عظيماً على أغلب الأمة تصدى لها أهل العلم بالفضح والبيان والمخالفة وغير ذلك، ثم بينوا وجه الحق في المسألة من عقيدة السلف إلى يومنا هذا، فهذا النهج يسير عليه أهل السنة، لم يأت شخص بعد أن يتفشى المرض الفكري أو العقائدي في الأمة ويقول: يا أخي لا ترد عليهم، اتركهم، اجعل المسألة تمر.

أما الآن فالرجل في التلفزيون أو الصحف أو المجلات أو الجرائد يكتب ما يريد وما يحلو له، باسم الدين وباسم السنة، والأمة كلها تتناقل الأخبار، أنتم عارفون أن فلاناً قال كذا، وهذا فلان يقول هكذا وهذا مخالف لعقيدة المسلمين.

فحينئذ يجب وجوباً شرعياً محتماً على أهل السنة المتصدرين لبيان الحق في الأمة أن يظهروا فساد هذا الرأي، وأنه مخالف لعقيدة السلف التي هي المنبع والأساس، ولا يسعهم أن يسكتوا عن هذا الضلال، حتى وإن خمد هذا الضلال بعد ذلك ونسي وعفى عليه الزمن فإنهم لا ينجون من الإثم إلا أن يشاء الله عز وجل؛ لأن الله تعالى افترض عليهم إظهار دينه، ومكنهم من ذلك، وجعل لهم منزلة في قلوب الخلق فكان لابد عليهم أن يقوموا بهذا الواجب.

أما أن يتأخروا وأن يتقاعسوا وتقدم الأهواء والآراء المضلة الفاسدة على دين الله عز وجل، فهذا ليس نهج السلف.

ثم يقول: ومن المعلوم أن هذا النمط من الكتب -أي: كتب السنة- لم يظهر إلا بعد أن انتشرت الفرق الإسلامية وأخذت شبهها بالظهور بين الكافة.