[الآيات الدالة على زيادة الإيمان بالأعمال وتفاضل أهله فيه]
قال: [قال الله تعالى: {سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ} [الحديد:٢١]]، فالله تعالى يحثنا على السبق في العمل الصالح حتى نحظى بمغفرته سبحانه وتعالى.
[وقال: {وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ} [التوبة:١٠٠] فبدأ بالمهاجرين الأولين على درجاتهم في السبق، ثم ثنى بالأنصار على سبقهم، ثم ثلث بالتابعين لهم بإحسان، فوضع كل قوم على درجاتهم ومنازلهم عنده سبحانه.
ثم ذكر ما فضل به أولياءه بعضهم على بعض، فبدأ بالرسل والأنبياء فقال: {تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ} [البقرة:٢٥٣]، وقال: {وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ} [الإسراء:٥٥].
وأمر نبيه صلى الله عليه وسلم أن يتأمل ذلك، فقال تعالى: {كُلًّا نُمِدُّ هَؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا * انظُرْ [الإسراء:٢٠ - ٢١] أي: يا محمد [{كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا} [الإسراء:٢١].
وقال تعالى: {هُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ اللَّهِ} [آل عمران:١٦٣]]، والدرجة لا تطلق إلا على العلو، بخلاف الدركة فإنها تطلق على الأسفل، فالجنة درجات والنار دركات، ولذلك قال الله تعالى: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ} [النساء:١٤٥] ولم يقل: في الدرجات السفلى أو في أسفل درجة.
[وقال تعالى: {وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ} [هود:٣]]، أي: يوضع كل إنسان في درجته ومنزلته على حسب ما عنده من أعمال وإيمان.
[وقال تعالى: {لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا} [الحديد:١٠].
وقال: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} [المجادلة:١١]]، وهذه الآية صريحة في زيادة الإيمان وزيادة الدرجات.
[وقال تعالى: {وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا} [النساء:٩٥].
وقال تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ} [التوبة:٢٠].
فهذه درجات الإيمان ومنازله، تفاضل الناس بها عند الله، واستبقوا إليه بالطاعة بها.
فالإيمان هو الطاعة -أي: امتثال الأمر وترك النهي- وبذلك فضل الله المهاجرين والأنصار؛ لأنهم أطاعوا الله ورسوله، ولأنهم أسلموا من خوف الله، وأسلم سائر الناس من خوف سيوفهم].
أي: أنهم أسلموا ابتداء لأنهم خافوا الله تعالى، لكن الناس أسلموا بعد ذلك خوفاً من القتل، ولذلك المهاجرون والأنصار استحقوا السبق على سائر الناس لأنهم سابقوا إلى مغفرة من الله ورضواناً، وأسلم سائر الناس من خوف سيوفهم.
قال: [وفضل الله المهاجرين والأنصار بطواعيتهم لله ولرسوله.
وكذلك قال الله تعالى: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ} [النساء:٨٠]، وقال: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ} [آل عمران:١٣٢]، وقال: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر:٧].
وقال: {وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ} [الممتحنة:١٢] يعني في سنن الرسول]، أي: في سننه وأحواله وأيامه صلوات الله وسلامه عليه.
قال: [وخلق الله الخلق لطاعته، إلا من سبق عليه القول في كتابه بشقوته، فقال الله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات:٥٦]]، وهذا أسلوب حصر وقصر.
[وقال: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ} [الحج:١٨]، وقال: {وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مِنْ دَابَّةٍ وَالْمَلائِكَةُ} [النحل:٤٩].
وقال الله تعالى للسماء والأرض: {اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ} [فصلت:١١].
فالإيمان يا أخي -رحمك الله- هو القول، والعمل هو الطاعة]، أي: الإيمان هو قول اللسان وقول القلب، والعمل هو الطاعة، [والقول تبع للطاعة والعمل، والناس يتفاضلون فيه على حسب مقادير عقولهم، ومعرفتهم بربهم، وشدة اجتهادهم في السبق بالأعمال الصالحة إليه].