[بيان كيف يتصرف المؤمن مع الفتن العامة]
فماذا على المؤمن؟ وكيف له أن يتصرف والحالة هذه؟ فمن الفتن العامة الفتنة التي وقعت بين الصحابة رضي الله عنهم، كما وقع بين علي ومعاوية رضي الله عنهما.
فماذا ينبغي أن يكون حال المسلم الذي ليس طرفاً بينهما؟ الأمر كما قال أهل العلم: إن المسلم حينئذ على ثلاثة أقسام: القسم الأول: إذا كان من أهل النظر والاجتهاد، فتيقن أن الحق مع فلان دون الآخر؛ فيجب عليه أن ينصر صاحب الحق.
وإذا ترجح لديه أن الآخر هو الذي معه الحق، فينبغي عليه أن ينصر الآخر؛ لأن هذا هو الذي تجب الإعانة في حقه، وأما إذا لم يترجح له أيهما على الحق؛ فينبغي أن يتوقف، لا يلحق بهذا ولا بذاك، هذا لمن كان له نظر واجتهاد.
أما لو أنه قعد ولم ينظر ولم يجتهد في الأمر في حال الفتنة العامة؛ فبلا شك هذا موقف، وحالة أحسن من سابقتها، حتى لو كان صاحب اجتهاد ونظر، ولكنه آثر ألا يجتهد، وألا ينظر في هذه القضية، ويلزم بيته، ويكون حلس بيته؛ فهذا بلا شك أفضل له بكثير، وأنجى له من الأمر الأول.
أما عامة الناس فلا عبرة بعملهم وبأقوالهم، والواجب في حقهم أن يلزموا بيوتهم، وأن يسمعوا كلام أهل العلم وأن يطيعوا، هذا فيما يتعلق بالفتنة العامة في الزمن الأول.
من الفتن العامة التي نزلت بالمسلمين حديثاً فتنة العراق والكويت.
في الحقيقة يا إخواني! إذا وقعت فتنة عامة، أي: بلاء عام نزل بأهل الإسلام؛ فإن الأصل فيه أن الذي يتصدى له ويجتهد فيه هم أهل العلم الثقات الأثبات المجتهدون، لا طلاب العلم فضلاً عن عامة الناس، وإذا قلت: (لا طلاب العلم) فلا أقصد جموع الملتحين؛ لأن غالب الملتحين ليسوا طلاب علم ابتداء، فإذا قلنا: طلاب علم، أي: من هم دون العلماء.
أما عامة طلاب العلم وعوام المسلمين من الإخوة وغيرهم؛ فلا يحل لهم أن يتفوهوا ببنت شفة فيما يتعلق بفتنة عامة نزلت بالمسلمين.
وهذا على خلاف ما رأيناه وسمعناه منذ عشر سنوات في فتنة العراق والكويت وبلاد الحجاز وغيرها، واستقدام الكفار إلى ديار المسلمين.
الأصل: أن أهل العلم يتكلمون ونحن نسمع ونطيع، لكن هذه الفتنة التي نزلت بالمسلمين كان آخر من تكلم فيها أهل العلم، ليس لأنهم تقاعسوا ولم يؤدوا الواجب الذي أنيط بهم، ولكنها العجلة من الجهال وعامة الطلاب أن تصدروا، وكلفوا أنفسهم ما لم يكلفهم الله تعالى به، فمنهم من أفتى بالجواز، ومنهم من أفتى بالمنع، ومنهم من توقف وغير ذلك.
حتى الذي اجتهد وتوقف جعل نفسه في دائرة التوقف، وهذا نوع من أنواع الاجتهاد كذلك، يعني: هو اجتهد فتوقف، والأصل ألا يجتهد، بل الأصل ألا يخطر على باله شيء؛ لأن هذه ليست مهمته.
كما لو أنك رأيت مريضاً يتلوى من الألم، هل تفكر أن تجري له عملية وأنت لست طبيباً؟
الجواب
لا، لا تفكر في ذلك؛ فيلزمك أن تمسك في أمر الشرع، وكذلك عما لم يكلفك الله تعالى به.
فنجد في هذه الفتن عامة أن الكل يسأل، والكل قد انشغل بحكم الشرع في هذه القضية، ليس لأنه يريد أن يعلم حكماً شرعياً، ولكنه يريد رأياً معيناً وفتوى بعينها، فإذا سمع غيرها اعترض، وربما أساء الأدب مع مفتيه، وهذا بلا شك خروج عن حد الشرع، وعن المألوف عند أهل العلم من الآداب التي يجب أن يتخلق بها طلاب العلم.
فهذه آثار ذكرها الإمام ابن بطة في هذا الباب تبين حال المسلم إذا نزلت فتنة عامة، فكيف يتصرف؟