فالسلفية لم تنقطع عند أصحاب القرون الخيرة الأولى، بل السلفية من جهة المعنى مستمرة إلى قيام الساعة؛ لأن العبرة من سار على نهجهم إلى يوم الدين، فـ ابن تيمية ممن سار على نهج الصحابة وهو سلفي، وإن لم يكن من أصحاب القرون الخيرية.
وابن القيم سلفي؛ لأنه سار على نهج الصحابة، وإن لم يكن من أصحاب القرون الخيرية الأولى، وبالتالي فلا يخلو عقد ولا قرن من عالم وقائم لله بحجة على منهج السلف، والله تبارك وتعالى لا يمكن أن يترك الناس أو العباد بغير عالم يقيم عليهم الحجة؛ حتى يهلك من هلك عن بينة، ويحيا من حيي عن بينة.
وإذا كان الأمر كذلك؛ فاعلم أن الله تعالى له جنود ظاهرون على الحق لا يضرهم من خالفهم ولا من خذلهم، حتى يأتي أمر الله -أي: الساعة- وهم على ذلك.
والنبي عليه الصلاة والسلام يقول:(إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة عام من يجدد لها أمر دينها)، والذي أحسبه من المجددين في هذا الزمان وفي هذا القرن هو شيخنا العلامة الألباني، وكذلك شيخنا العلامة ابن باز، وغيرهما من أهل العلم ممن هو باق على قيد الحياة، نسأل الله أن يطيل أعمارهم، وأن يحسن أعمالهم، وأن يحسن خواتيمنا وإياهم جميعاً، ومنهم من مات ولا يقل في الفضل والعلم عمن ذكرناه.
فالسلفية لها معنى قديم متعلق بالقرون الخيرية الثلاثة، ومعنى حديث، أي: من جهة المعنى لا من جهة الزمن، وهذا مستمر إلى قيام الساعة، ولا يخلو منه عصر ولا مصر، فالذي أمرنا نحن به من قِبَل الله عز وجل، أو من قبل النبي عليه الصلاة والسلام، أو من قبل الصحابة والتابعين والأئمة المتبوعين، أو من قبل أئمتنا في هذا الزمان: أن نكون تبعاً لأهل العلم الصادقين المخلصين، المتبعين لآثار من مضى، لا المتبعين لأهوائهم، ولا المتبعين للجدال والكلام والخصومات والمراء والملاحاة؛ إذ كل هذا ليس منهجاً للسلف، بل قد ذموه ونقدوه وحذروا الأمة منه، بل وتعرضوا له بالنقد حتى بينوا زيفه، وبينوا عجزه وتقصيره، وبينوا فساده ومخالفته لهذا المنهج الذي أمرنا ألا نتلقى إلا منه وعنه، وهو الكتاب، والسنة، وإجماع أهل العلم، والقياس الصحيح.
قال:[يقول أبو يوسف صاحب أبي حنيفة: العلم بالكلام جهل، والجهل بالكلام هو العلم].