[تحذير الشافعي من ائتمان صاحب الكلام على الدين]
قال: [وقال يونس بن عبد الأعلى: قال لي الشافعي: يا أبا موسى! لقد اطلعت من أصحاب الكلام على شيء ما لو رأيت رجلاً ارتكب كل ما نهى الله عنه خلا الشرك؛ كان أحب إلي من أن أراه صاحب كلام، قال: قلت: يا أبا عبد الله! -وهذه كنية الإمام الشافعي - وتدري ما يقول صاحبنا -أي: هل سمعت ما قال صاحبنا؟ أي: صاحب يونس بن عبد الأعلى، وصاحب الشافعي، وهو الإمام العلم الجبل المصري الليث بن سعد عليه رحمة الله- الليث بن سعد؟ قال: وما قال؟ قال: لو رأيت صاحب الكلام يمشي على الماء لا تأمنن ناحيته].
ومن الذي يستطيع أن يمشي على الماء؟ لا أحد، لكن لو تصورنا أن هذه الحادثة الخارقة للعادة وقعت في حق المتكلم، فتجمع الناس حتى سار على سطحه، ونظر الناس إليه.
يقول الليث: لو رأيتم صاحب كلام على هذا النحو فلا تأمنوه على دينكم.
[قال الشافعي: بل الأمر أعظم من ذلك، لو رأيت صاحب كلام يطير في الهواء فلا تأمننه على دينك].
إذاً: فالقضية كلها متعلقة بالاستقامة؛ ولذلك يقول ابن تيمية عليه رحمة الله في المجلد الحادي عشر من الفتاوى: إذا رأيت الرجل يطير في الهواء، أو يمشي على الماء؛ فلا تحكمن عليه حتى ترى عمله، فإن كان موافقاً للكتاب والسنة؛ فإنما ذلك كرامة من الله عز وجل له، وإلا فهو استدراج من الشيطان.
أي: أن هذا العمل من الشيطان وليس من الرحمن، وهذا الكلام أيضاً مذكور في كتابه: الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان، ومعناه: لو رأيت الرجل يطير في الهواء، أو يمشي في الماء، أو يأتي لك بأشياء هي كالسحر، بل السحر نفسه، حتى تكاد تجزم وتقسم أنك رأيت حقاً؛ فلا نحكم لهذا الرجل ولا عليه حتى نرى عمله هل هو مستقيم على منهج أهل السنة أم لا؟ فإن كان كذلك؛ فإن الذي جرى على يديه كرامة من الله تعالى له، وأنتم تعلمون أن كرامات الصالحين أمر مستقر في عقيدة المسلمين، منذ عهد النبي عليه الصلاة والسلام وإلى قيام الساعة.
والله تبارك وتعالى يمن على من يشاء من عباده الصالحين بالخوارق للعادات كرامة لهم، كما تجري هذه الخوارق على أيدي الأبالسة، وعلى أيدي السحرة والأفاكين الكذابين، لكنها ليست كرامات، وإنما هي استدراجات من الشيطان.
قال: [قال أبو حاتم: حدثني بعض أصحاب الشافعي أنه سمع الشافعي يقول: كلمتني أم بعض أصحاب الكلام على أن أكلم ابنها ليكف عن الخوض في الكلام].
فالأم عقلت أن ابنها على ضلالة، فأتت إلى إمام المسلمين الإمام الشافعي، فقالت: كلم ولدي أن ينتهي عن علم الكلام.
قال الشافعي: [فكلمته ليكف عن الكلام، فدعاني إلى الكلام].
يعني: كلمته ليكف عن الهوى واتباع الشهوات، فدعاني هو إلى الخروج عن حد الاستقامة، والدخول في حد البدعة والضلالة.
قال: [وقال أبو حاتم: قال أبو ثور إبراهيم بن خالد: سمعت الشافعي يقول: ما ارتدى أحد الكلام فأفلح].
أي: ما سلك أحد سبيل الكلام والهوى؛ إلا ويخسر خسراناً مبيناً.