[الأحاديث الدالة على تأثير المعاصي على الإيمان بالنقصان]
قال: [من ذلك]، ما جاء [عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن المؤمن إذا أذنب ذنباً نكت في قلبه نكتة سوداء، فإذا أذنب ذنباً آخر نكت فيه نكتة أخرى، حتى يعلوه الران)]، يعني: يختم على قلبه بهذا السواد.
[ابن عباس كان يقسم بالله لو أنكم شققتم عن قلب المؤمن لوجدتموه أو أبيض، ولو شققتم عن قلب المنافق لوجدتموه أسود].
والمقصود عند جماهير السلف أن السواد والبياض أمر معنوي يتعلق بالبصيرة.
قال: [(إن المؤمن إذا أذنب ذنباً كانت نكتة سوداء في قلبه، فإن تاب ونزع واستغفر صقل منها قلبه، فإن زاد زادت حتى يعلو قلبه، فذلك الران الذي قال الله عز وجل: {كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [المطففين:١٤])] أي: بسبب ما كانوا يكسبون، علاه الران والسواد كما في [حديث حذيفة في الصحيحين أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (تعرض الفتن على القلوب كالحصير عوداً عوداً، فأيما قلب أشربها نكت فيه نكتة سوداء، وأيما قلب أنكرها نكت فيه نكتة بيضاء؛ حتى تكون القلوب على قلبين: قلب أبيض لا يضره شيء ما دامت السماوات والأرض، وقلب أسود مرباد -أي: معكر- كالكوز مجخياً -أي: منكوساً ومائلاً- لا يعرف معروفاً ولا ينكر منكراً إلا ما أشرب من هواه)].
فهذا حديث مرعب ومخيف جداً، فالقلوب قسمان: قلب أبيض بنور الإيمان لا يضره شيء ما دامت السماوات والأرض، وقلب أسود كلما عرضت عليه فتنة أشربها؛ لأنه صاحب هوى وليس صاحب سنة، حتى يعلوه الران، فبعد ذلك لا يعرف معروفاً ولا ينكر منكراً للسواد الذي علاه، أطفأ الله تعالى عنه نور العلم والإيمان والبصيرة، فصار لا يعرف معروفاً ولا ينكر منكراً، بل ربما ظن أن المعروف منكراً أو أن المنكر معروفاً، أو ذهب ليأمر بالمنكر وينهى عن المعروف.
وهذه دركات وظلمات بعضها فوق بعض، نسأل الله السلامة لنا ولكم.
[وعن عبد الله بن عمرو بن هند الجملي قال: كان علي بن أبي طالب رضي الله عنه يقول: إن الإيمان يبدو لمظة] أي: كشيء يلمظ لمظة، أي: يرى دقيقاً يسيراً.
قال: [إن الإيمان يبدو لمظة بيضاء في القلب، كلما زاد الإيمان زاد البياض -أي: كلما زاد الإيمان بزيادة العمل زاد معه هذا البياض، حتى يكون قلباً أبيض ناصع البياض- فإذا استكمل الإيمان ابيض القلب، وإن النفاق يبدو لمظة سوداء في القلب، كلما زاد النفاق زاد ذلك السواد، فإذا استكمل النفاق اسود القلب كله.
وأيم الله! لو شققتم عن قلب مؤمن لوجدتموه أبيض، ولو شققتم عن قلب منافق لوجدتموه أسود].
وهذا الإسناد فيه ضعف، إلا أن الروايات التي في الباب تشهد لهذا الكلام.
[وعن عبد الله بن مسعود قال: إذا أذنب الرجل الذنب نكت في قلبه نكتة سوداء، فإذا أذنب الذنب نكت في قلبه أخرى، حتى يكون لون قلبه لون الشاة الربذاء]، أي: الشاة المغبرة التي ليست إلى السواد ولا إلى البياض.
قال: [وعن مجاهد قال: القلب مثل الكف؛ إذا أذنب الرجل الذنب انقبض بعضه -ثم قبض أصبعاً- وإذا أذنب الذنب انقبض بعضه -ثم قبض أصبعاً، حتى قبض أصابعه كلها- ثم يطبع عليه، فكانوا يرون ذلك الران، ثم قرأ: {كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [المطففين:١٤]]، يعني: زيادة الذنب ليست من الطاعة، فصاحب الذنب يحب أصحاب الذنوب ويواليهم، ويعادي أصحاب الطاعة ولا يحب رؤيتهم، إذا بلغ العبد هذا المبلغ فليعلم أن هذا خطر عظيم جداً عليه.