[مجالسة أصحاب الأهواء ممرضة للقلوب وسبيل إلى ضرب القرآن بعضه ببعض]
قال:[وقال ابن عباس: لا تجالسوا أصحاب الأهواء؛ فإن مجالستهم ممرضة للقلوب]، أي: تسبب مرض القلب.
[وقال أبو عبد الله الملائي: لا تجالسوا أصحاب الأهواء؛ فإنهم يمرضون القلوب.
وقال مهدي بن ميمون: سمعت محمد بن سيرين وماراه رجل، ففطن له -ومحمد بن سيرين إمام من أئمة الدين، سيد من سادات التابعين، وهو تلميذ أنس بن مالك - فقال: إني قد أعلم ما تريد، ولو أردتَّ أن أماريك كنت عالماً بأبواب المراء].
فـ ابن سيرين نزه نفسه عن أن يماري وأن يخاصم أهل الأهواء مع قدرته على ذلك، ولكنه أنكر ذلك وقال: لو أنك تريد أن أخاصمك ما فعلت، فكأن ابن سيرين أراد أن يقول: لست مني ولست منك، فلا أهل الأهواء من أهل السنة، ولا أهل السنة كذلك من أهل الأهواء.
[وقال عون بن عبد الله: لا تفاتح أصحاب الأهواء في شيء؛ فإنهم يضربون القرآن بعضه ببعض].
وهذا مفتاح من مفاتيح أهل البدع وأهل الضلال؛ أنهم يأتون بآية، ثم يأتون بآية أخرى يظنون أنها معارضة للآية الأولى، ولو استدللت عليهم بنص من الكتاب أو السنة أتوك بنصوص ظاهرها التعارض، وهذا قد وقع من الصحابة رضي الله عنهم ذات يوم، فقد جلسوا في مسجد النبي عليه الصلاة والسلام يجادلون في كتاب الله تعالى، فهذا يرد بآية وذاك يرد بآيتين، فسمعهم النبي عليه الصلاة والسلام من داخل غرفة عائشة؛ فخرج عليهم فقال:(أتضربون القرآن بعضه ببعض وأنا بين ظهرانيكم؟!) يعني: هل هذا يكون منكم، ولا زلت أنا حي بينكم؟! فأنكر النبي عليه الصلاة والسلام أن يكون هذا منهم، فاستغفروا ربهم، واعتذروا للنبي عليه الصلاة والسلام.
فالمعلوم أن هذه الخصلة من شيم أهل البدع لا من شيم الصالحين.
[وكان سليمان بن يسار إذا سمع في مجلس مراء قام وانصرف عنه]؛ لأنه لا ينبغي لصاحب سنة أو صاحب علم ودين أن يجلس في مجلس كله لغط وجهالة، والنبي عليه الصلاة والسلام يقول:(ما من قوم جلسوا مجلساً، ثم لم يذكروا الله تعالى فيه إلا كان عليهم ترة يوم القيامة) والترة: هي الحسرة والندامة، فما من قوم جلسوا مجلساً إلا وجب عليهم أن يذكروا الله تعالى، وذكر الله تعالى لابد أن يقع في محل الرضا، لا في محل السخط والكراهية، فالجدال والخصومة والمماحلة والتفكه بكلام لا طائل تحته، ولا فائدة من ورائه؛ لا علاقة له بمرضاة الله عز وجل، والمجلس الذي انعقد على هذا النحو إنما هو وبال على أصحابه إلا أن يستغفروا الله تعالى فيه، ويتوبوا إليه منه، ويندموا على ما فعلوا، ثم يذكروا الله تعالى.