للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[آيات من القرآن في بيان أن مشيئة الخلق تبع لمشيئة الله]

قال الله تعالى: {كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ} [البقرة:٢١٣] إلى قوله: {وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [البقرة:٢١٣].

وقال: {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ} [البقرة:٢٥٣]، والقتل أو القتال قد نهى الله عنه، ومع هذا أذن الله تعالى في وقوعه، ومعنى: أذن الله في وقوعه.

أي: خلقه وأوجده، وهذا في باب الإرادة الكونية القدرية.

وقال: {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى} [الأنعام:٣٥]، أي: ولو شاء الله لجمع الناس جميعاً على الهداية والإيمان، {فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ} [الأنعام:٣٥].

وقال: {وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي الظُّلُمَاتِ مَنْ يَشَإِ اللَّهُ يُضْلِلْهُ وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [الأنعام:٣٩]، فقوله تعالى: (مَنْ يَشَإِ اللَّهُ يُضْلِلْهُ)، أي: يجعله ضالاً، والضلال لا يكون إلا بقدر الله ومشيئته، وكذلك الهداية، فالله يهدي من يشاء ويضل من يشاء، فالهدية والضلال بيد الله عز وجل.

وقال تعالى: {اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ * وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكُوا} [الأنعام:١٠٦ - ١٠٧]، أي: لو أراد الله عز وجل أن يؤمن هؤلاء لآمنوا، ولكن الله تعالى أراد غير ذلك، فقد أراد لهؤلاء بالذات -لسابق علمه فيهم- الشرك، فهيأ أسباب الشرك، وأراد الله عز وجل للفريق الآخر الإيمان، فهيأ أسباب الإيمان لهم، {وَمَا جَعَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ} [الأنعام:١٠٧].

وقال عز وجل: {وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلًا مَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [الأنعام:١١١]، أي: لو أن هؤلاء اتخذوا جميع الأسباب للإيمان فإنهم لا يؤمنون إلا أن يشاء الله لهم الإيمان، فإذا كان الأمر كذلك فينبغي أن يرى الله تعالى من عباده تضرعاً وذلاً وخشوعاً وإقبالاً وتوبة وإنابة، {وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ} [الأنعام:١١١].

وقال عز وجل: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً} [هود:١١٨]، أي: أمة واحدة مؤمنة، {وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ} [هود:١١٨ - ١١٩]، فقوله: {إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ} [هود:١١٩] جملة اعتراضية، ولكن الناس في أصل الخلق مختلفون في الإيمان والكفر، في الشقوة والسعادة، في الجنة النار، ولذلك وردت تفاسير أهل العلم على هذه الآية.