قتل الجهم سنة ثمان وعشرين بعد المائة الهجرية، وكان قتله على يد سلم بن أحوز المازني على المشهور كما تقدم.
والإمام القاسمي كان له بعض الدفاع عن الجهم بن صفوان، فكان مما قال: إنما قتل الجهم لأمر سياسي لا لأمر ديني؛ لأنه كان مع الحارث بن سريج ضد دولة بني أمية، فخرج مع الخارجين على الإمام الحق في ذلك الزمان، فلما أسر قتله سلم بن أحوز المازني، فكان قتله لأمر سياسي لا لأمر ديني، وليس الأمر كذلك، ولا يمنع أن يكون قد جمع بين الأمرين، لكن أصل فكرة القتل انبنت على مخالفته الدينية، وكذلك لا يمنع أن يكون قتله لأمر سياسي، وإن كان قد أمر الخليفة هشام بن عبد الملك بقتله قبل ذلك لأمر ديني، وهو ما اشتهر عنه من شكه وتركه الصلاة أربعين يوماً، أي: أنه شك في وجود الإله لما سئل: صف لنا إلهك؟ فشك في إلهه فتوقف عن عبادته أربعين يوماً، ثم نفيه لصفات الرب عز وجل واشتهار ذلك عنه، فكان ذلك سبباً قوياً في أن يأمر الخليفة هشام بن عبد الملك عامله على خراسان نصر بن سيار أن يقتله، ولكنه لم يظفر به، وإنما ظفر به سلم بن أحوز فقتله.
وقد أخرج ابن أبي حاتم عن صالح بن أحمد بن حنبل أنه قال: قرأت في دواوين هشام بن عبد الملك إلى نصر بن سيار عامل خراسان: أما بعد، فقد نجم -أي: ظهر- قبلك رجل يقال له جهم من الدهرية، فإن ظفرت به فاقتله.
إذاً كان قتله بسبب أنه يقول بقول الدهرية، وهذا أمر ديني لا أمر سياسي.
ومما يؤكد أن قلته بسبب ما صدر عنه من إنكار صفات الله تعالى: ما ذكره الحافظ ابن حجر في فتح الباري، قال: أخرج ابن أبي حاتم من طريق محمد بن صالح مولى بني هاشم قال: قال سلم حين أخذه: يا جهم؟ إني لست أقتلك لأنك قاتلتني -فهذا تصريح بأن القتل لم يكن لأمر سياسي- فأنت عندي أحقر من ذلك، ولكني سمعتك تتكلم بكلام أعطيت الله عهداً ألا أملكك إلا قتلتك، فقتله.
وقد جاء البيان عن سبب قتله له، فقد أخرج عن ابن أبي حاتم من طريق خلاد الطفاوي، قال: بلغ سلم بن أحوز -وكان على شرطة خراسان- أن جهم بن صفوان ينكر أن الله كلم موسى تكليماً، فقال له: أنت الذي تزعم أن الله لم يتخذ إبراهيم خليلاً، ولم يكلم موسى تكليماً؟ فسكت الجهم، فقام إليه سلم فقتله، إذاً أصل قتله كان لأمر ديني، ولو كان لأمر سياسي فلا بأس بذلك، لكن لابد من تقرير الحقائق.
وقال بكير بن معروف: رأيت سلم بن أحوز حين ضرب عنق جهم، فاسود وجه جهم.
نعم لابد أن يسود:{يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ}[آل عمران:١٠٦]، قال ابن عباس: تبيض وجوه أهل السنة والجماعة، وتسود وجوه أهل البدع والضلالة.
ولهذا من إهانة الله عز وجل لأهل البدع في حياتهم وبعد مماتهم أنهم ليس لهم ترجمة، ولو أردنا أن نقرأ ترجمة أحمد بن حنبل لوجدنا أنها في سير أعلام النبلاء جل المجلد الحادي عشر، حوالي أربعمائة أو خمسمائة صفحة، بل وفي ترجمته صنفت مجلدات وكتب أخرى؛ لأن الله أبى إلا أن يعلي ذكر أحمد في الدنيا والآخرة، وأما هؤلاء فقد أبى الله تعالى إلا أن يجعلهم في أسفل سافلين، فليس لهم ترجمة إلا ترجمة السوء والضلال، ترجمة اللعنة والغضب والسخط من الله عز وجل ومن عباده.