[باب ذكر افتراق الأمم في دينهم وعلى كم تفترق هذه الأمة]
الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
وبعد: قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب ذكر افتراق الأمم في دينهم، وعلى كم تفترق هذه الأمة، وإخبار النبي صلى الله عليه وسلم لنا بذلك].
هذا الباب من أهم أبواب الاعتقاد، وهو ذكر افتراق هذه الأمة إلى ثلاث وسبعين فرقة، كلها في النار إلا واحدة، كما أخبر بذلك النبي عليه الصلاة والسلام، وفي حديث معاوية بهذا السياق رضي الله عنه: (وإنه سيخرج في أمتي أقوام يهوون هوىً، فيتجارى بهم ذلك الهوى كما يتجارى الكلب بصاحبه، لا يدع منه عرقاً ولا مفصلاً إلا دخله).
وهذا الحديث من الأحاديث التي تجعل المؤمن على حذر ووجل من أن يكون في فرقة من هذه الفرق الضالة، وهذا يستلزم محاسبة العبد لنفسه دائماً، هل هو على منهاج أهل السنة والجماعة وهم الفرقة الناجية أو الطائفة المنصورة؟ أم أنه -من حيث لا يشعر- ضمن فرقة من هذه الفرق التي أخبر النبي عليه الصلاة والسلام أنها في النار.
فاليهود افترقوا إلى إحدى وسبعين فرقة، والنصارى إلى اثنتين وسبعين فرقة، والمسلمون افترقوا إلى ثلاث وسبعين فرقة، وهذا بإخبار الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم.
والناظر إلى هذا الحديث يقول: قال النبي عليه الصلاة والسلام: (افترقت اليهود إلى إحدى وسبعين، والنصارى إلى اثنتين وسبعين).
ثم لو توقف عند هذا الحد فسيقول: إن تكملة هذا الحديث هو أن المسلمين لا يفترقون قط؛ لأن المسلم الأصل فيه أنه ليس صاحب هوى، وإنما هو صاحب اقتداء واتباع، ولكن النبي عليه الصلاة والسلام بين أن اتباع الأهواء في هذه الأمة أعظم من بقية الأمم، بل إن هذه الأمة تزيد فرقة عن أصحاب الأهواء والبدع في أمة اليهود والنصارى.
وقد جعل هذا الباب لبيان هذه الفرق الضالة وبعض علاماتها، والحكم عليها بأنها في النار، وسنتعرض لبيان مذهب الفرقة الناجية والطائفة المنصورة، وبيان بعض علاماتها وأماراتها، وأنها ما سميت أو وصفت بالناجية إلا لنجاتها من النار، وما نجت من النار إلا لاتباعها سنة النبي عليه الصلاة والسلام.
[قال الشيخ: قد كتبت في أول هذا الكتاب ما قصه الله عز وجل علينا في كتابه من اختلاف الأمم، وتفرق أهل الكتاب، وتحذيره إيانا كذلك، وأنا أذكر الآن ما جاءت به السنة، وما أعلمنا نبينا صلى الله عليه وسلم من كون ذلك؛ ليكون العبد على حذر من مجاراة هواه] أي: من إطلاق العنان لهواه، [ومتابعة بعض الفرق المذمومة، وكي يتمسك بشريعة الفرقة الناجية، فيعض عليها بنواجذه، ويضمها بجنبيه، ويلزم المواظبة على الالتجاء والافتقار إلى مولاه الكريم في توفيقه وتسديده ومعونته وكفايته، فإنا قد أصبحنا في زمان قل من يسلم له فيه دينه].
فـ ابن بطة يقول: إننا قد أصبحنا في زمان قل من يسلم له دينه، فما بالك لو أنه بعث في زماننا؟ قال: [والنجاة فيه متعذرة صعبة، إلا من عصمه الله وأحياه بالعلم]، ونحن دائماً نؤكد على قضية العلم.
فالعلم حياة للقلوب.