[إيمان عمر الجازم بأن الذي يملك السعادة والشقاوة والخير والشر هو الله تعالى]
قال: [وقال أبو عثمان النهدي: سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو يطوف بالكعبة يقول: اللهم إن كنت كتبتني في أهل السعادة فأثبتني فيها، وإن كنت كتبت علي الذنب والغضب في الشقاء فامحني وأثبتني في أهل السعادة، فإنك تمحو ما تشاء وتثبت وعندك أم الكتاب].
وأنتم تعلمون أن مسألة المحو والإثبات وإنما تكون في الصحف التي بأيدي الملائكة، وأما أم الكتاب واللوح المحفوظ ففيها القضاء المبرم الذي لا يقبل الزيادة ولا النقصان، فـ عمر رضي الله عنه يدعو ويقول: اللهم إن كنت كتبتني في الصحف التي بأيدي الملائكة شقياً فامحني من الشقاء وأثبتني في أهل السعادة، وأعني على ذلك، وهذا إيمان جازم من عمر رضي الله عنه أن الذي يملك السعادة والشقاء هو الله عز وجل، وأن الذي يخلق الخير والشر هو الله عز وجل.
[وعن عمرو بن ميمون: أن عمر سمع غلاماً وهو يقول: اللهم إنك تحول بين المرء وقلبه، فحل بيني وبين الخطايا فلا أعلم بشيء منها]، يعني: يا رب! اجعل بيني وبين الذنوب والخطايا حاجزاً وساتراً، واجعلني في غفلة عن الذنب حتى إني لا أعلم ما الذنب.
[فقال عمر: رحمك الله! ودعا له بخير.
وعن عمرو بن ميمون قال: رأيت عمر يوم أصيب وعليه ثوب أصفر، فخر وهو يقول: {وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا} [الأحزاب:٣٨]].
وكان أمر الله مقدراً في الأزل، (مقدوراً) أي: مخلوقاً وموجوداً لا محالة، وكأنه يريد أن يقول: إن الذي حل بي اليوم علمه الله تعالى في الأزل، وكتبه في اللوح المحفوظ.
فهذا الخبر يذكره عمر في أخريات لحظات حياته، ويبرز لنا قضية مهمة وهي قضية الإيمان بالقدر، ويقول: إن الذي حل بي إنما هو مقدر في اللوح المحفوظ ولا بد أن يقع، ولذلك عمر رضي الله عنه ما كان يخفى عليه أن أبا لؤلؤة المجوسي كان غلاماً مجوسياً للمغيرة بن شعبة، وكان يصنع الرحى، وقد ضرب عليه سيده المغيرة مبلغاً من الدنانير يدفعها في كل عام، فأتى أبو لؤلؤة المجوسي إلى أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه يشكو له غلاء الضريبة التي ضربت عليه من سيده، فقال: كم يأخذ منك؟ قال: أربعة دنانير، قال: ما عملك؟ قال: أصنع الرحى، وأنا فوق ذلك حداد نجار، قال: ما خراجك بكثير، أتصنع رحى؟ قال: نعم.
قال: اصنع لي رحاً.
فقال الغلام: سأصنع لك رحاً تتكلم عنها العرب والعجم، فلما وقع الذي وقع من أبي لؤلؤة المجوسي -عليه لعنة الله- قال عمر: لقد تهددني العلج آنفاً، والعلج بمعنى القبيح.
فـ عمر فهم مراد أبي لؤلؤة ولم يكن غافلاً، وعمر كان ذكياً جداً، وقد كان قبل الإسلام سفير قريش مع بقية القبائل وعنده من العمر ستة وعشرون عاماً، فلا يعقل أن قريشاً مع مكانتها وفصاحتها وذكائها وخدمتها للحجيج؛ تتخذ رجلاً لا عقل له، أو رجلاً غبياً، أو لا يدرك أبعاد المسائل؟ هذا لا يمكن، وفي الغالب أن كل أمة إنما تختار سفراءها من أذكى الناس فيها، وأنا أتكلم هنا عن سفراء العرب قديماً، وأما الآن فالسفير قد يقول: خطب شارون خطاباً بالأمس وكان في خطابه إيجابيات، وهناك في خطابه أمور ليست إيجابية، لماذا لا تقول: سلبية؟ خائف ممن؟ فحتى هذه الكلمة يخاف من قولها، وهو يحاول أن يخرج من أسئلتك شمالاً ويميناً، ويقول: فيه أشياء غير إيجابية.
والكذاب الكبير حق أمريكا يتصل بـ شارون ويقول له: لا عليك، من أجلنا تصالح مع العرب، فـ شارون يقول له: إلى الآن والكتائب اليهودية لم تحقق أهدافها العسكرية، فيقول له: افعل ذلك من أجلنا، فاليمن والسودان والخليج كلهم أتباعنا، واليهود والصليبيون في أرض الجزيرة العربية، وفلسطين ملكنا، لكن أريد أن أقول: إن البيع المعلن لم يتم، وهو سيتم ولا بد، ولا حل لهذه الأمة إلا أن ترجع إلى ربها.
فانظروا إلى عمر بن الخطاب عندما كتب رسالة إلى سعد بن أبي وقاص قال له: يا سعد! اتق الله في الخاصة من نفسك، وفيمن معك من الجند، فإنك إن عصيت الله كان جند العدو خيراً منك؛ لأنك لا تنتصر إلا بتقوى الله، فإذا كنت على غير ذلك فاقك العدو بالعدد والعدة، فكان خيراً منك في أرض المعركة؛ لأنك صاحب معاص وذنوب، فإما أن تتوب الأمة إلى الله عز وجل وترجع إلى ربها، وإما فسيأتي شارون إلى هذه البلاد بل وإلى كل بلد من بلاد الإسلام، وسيكون هناك أسماء كثيرة جداً كلها تمثل شارون، لكن هذا شارون عربي وهذا شارون ليبي، وهذا شارون مغربي، وهذا شارون سعودي وهكذا، فلا بد أن ترجع الأمة إلى ربها.
أسأل الله تعالى التوفيق والسداد، اللهم انصر المجاهدين