[باب معرفة الإسلام وعلى كم بني]
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
وبعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.
أما بعد: قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب: معرفة الإسلام وعلى كم بني].
والذي يجعلنا نتكلم عن ماهية الإسلام وما هو، يُلزمنا أن نعرف الإسلام لغة ثم نعرفه اصطلاحاً، فينبغي أن يضم إليه مصطلح الإيمان، فالكلام ليس فحسب على الإسلام، وإنما على الإسلام والإيمان معاً.
[قال سالم بن أبي الجعد: عن رجل قال: (قيل لـ ابن عمر: ألا تجاهد؟ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن الإسلام بني على خمس كلمات: الإخلاص، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، والحج)].
وهذا الرجل كان كفيفاً، فقال لـ ابن عمر: ألا تجاهد؟ كأن ابن عمر قال له: لا.
وهذا الكلام محمول على طلب الجهاد في الفتنة، والمسلم العاقل الحازم إذا غلب على ظنه أن الحق مع إحدى الطائفتين وجب عليه أن يقاتل مع الطائفة التي غلب على ظنه -أو تيقن من باب أولى- أنها صاحبة الحق، ويحرم عليه أن يقاتل مع الطائفة التي في ظنه أو تيقن أنها جانبت الحق والصواب، وإذا لم يترجح لديه هذا ولا ذاك وجب عليه أن يكون حلس بيته، فيلزم بيته، ولا يشارك في هذه الفتنة.
فلعل هذا السائل الذي سأل ابن عمر أن يجاهد -يعني: في الفتنة- مع أحد الطائفتين، كأنه أراد أن يقيم الحجة على ابن عمر أن الجهاد أمره عظيم وخطير، فلم لا تجاهد إذاً يا أبا عبد الرحمن؟ فأراد أبو عبد الرحمن عبد الله بن عمر أن يبين له أن الجهاد في هذا الموطن ليس من مباني الإسلام ولا من أسسه وقواعده، إنما مباني الإسلام كما سمعها من النبي عليه الصلاة والسلام خمس: أولها الإخلاص، والإخلاص بمعنى التوحيد، ولذلك سميت كلمة التوحيد بكلمة الإخلاص: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله.
ثم قال: (وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، والحج)، وتقديره: من استطاع إليه سبيلاً، فهذه مباني الإسلام، والجهاد ليس منها، ويقيناً فإن الجهاد رغم أهميته إلا أنه ليس من مباني الإسلام، إنما هو ذروة السنام الذي يحفظ الله تعالى به البلاد والعباد؛ فضلاً عن حفظ الدين.
وهذه المباني فرض عين على أهلها وأصحابها إلى قيام الساعة لا تزول قط، بخلاف الجهاد، فالجهاد فرض كفاية على الأمة بمجموعها، ولا يتعين إلا في حالات خاصة.
إذاً: مباني الإسلام فرض عين، فلا يصح أن يصلي أحد لأحد؛ لأن الصلاة فرض عين على كل مسلم عاقل بالغ، بخلاف الجهاد؛ فإنه فرض كفاية على الأمة في مجموعها، إذا جاهد بعضها سقط الإثم على الباقين، وإذا نكلوا ونكصوا جميعاً عن الجهاد حتى أُضِرَّ بالدين والدنيا فإن الجميع يأثم، أي: جميع من تعين عليه القتال والجهاد ولم يجاهد، كما أن الجهاد سيسقط في آخر الزمان، وآخر الزمان موعود بنزول عيسى عليه السلام من السماء وقتله المسيح الدجال فحينئذ تضع الحرب أوزارها؛ لأنه لا يكون ملة على الأرض إلا ملة الإسلام، وسيدعو عيسى عليه السلام بعد قتله الخنزير وكسره للصليب إلى دين وشريعة محمد عليه الصلاة والسلام، فلا يكون هناك ملة إلا ملة الإسلام فحسب.
فحينئذ يسقط الجهاد، بخلاف هذه المباني فإنها باقية حتى قيام الساعة.
فـ ابن عمر أراد أن يقول: الجهاد ليس فرض عين علي؛ لأن فروض الأعيان معلومة، وقد جاءت في حديث سمعته عن النبي عليه الصلاة والسلام، ثم ذكر حديث المباني.
[وقيل لـ ابن عمر: ألا تجاهد؟ قال: إن الإسلام بني على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله]، والتقدير: وأن محمداً رسول الله، للتلازم بين الشهادتين حتى وإن لم يذكر الشق الآخر من الشهادة في الرواية، فإنه معلوم يقيناً؛ لأن أحد الشقين لا يصح بغير صاحبه، فلو قال الإنسان: أشهد أن لا إله إلا الله ولم يؤمن بمحمد عليه الصلاة والسلام فهو كافر، ولو آمن بمحمد ولم يشهد بوحدانية الله عز وجل فكذلك هو كافر.
فقوله هنا: شهادة أن لا إله إلا الله، يعني: وأن محمداً عبده ورسوله، [وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت)، هكذا سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول].
قال: ثم الجهاد بعد حسن]، يعني: الجهاد بعد هذه المباني أمر حسن.
وفي رواية [عن ابن عمر قال: قال النبي عليه الصلاة والسلام: (بني الإسلام على خمس)]، وكلمة (بني) للدلالة على أن المذكور من مباني الإسلام وأسسه وقواعده التي لا يقوم بدونها؛ لأنها كالقواعد الراسيات الراسخات في الأرض التي يبنى عليها البناء، وبغير هذه المباني والقواعد لا يقوم البناء، أو يقوم على ضعف فيه.
قال: [(بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن م