[المنهجية التي سلكها علماء السلف في الرد على طوائف الضلال والانحراف]
وانبرى علماء السلف لما انتشر الفساد؛ للرد على طوائف الضلال، وبيان الحق من الباطل، وكشف الشبه، والتحذير من الخروج عن منهج النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام.
وحثوا على الالتزام بما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فقد قال أبو العالية الرياحي: تعلموا الإسلام؛ لأنك لو تعلمت الإسلام استرحت وعرفت الحق من الباطل، والخير من الشر، والضلال من الهدى، وما سلمت رقبتك لآحاد الناس، وإنما الأمر كما قال العلماء: اعرف الحق تعرف أهله، إن الدين لا يعرف بالرجال ولا بالمناصب ولا بالوجاهات ولا بالزعامات ولا بالإمارة، إنما الدين بمعرفته ومعرفة أبنائه وأهله المخلصين العاملين.
إن الدين لا يعرف بالرجال، وإنما يعرف الرجال بالدين، فالدين هو القاضي والحاكم في الناس، وليس الناس يحكمون في دين الله عز وجل.
قال: تعلموا الإسلام، فإذا تعلمتموه فتعلموا القرآن، فإذا تعلمتموه فتعلموا السنة.
إذاً: الخطوة الأولى: دخولك في الإسلام.
الثانية: أن تتعلم القرآن بعد الإيمان؛ ولذلك قال عبد الله بن عمر: كنا نتعلم الإيمان أولاً، فإذا نزل القرآن ازددنا به إيماناً.
إذاً: توحيد الله تعالى هو أهم شيء؛ لأن الإسلام هو النطق بالشهادتين واعتقادهما، والعمل بمقتضاهما، ولكن الصحابة الأوائل لما نطقوا بكلمة التوحيد في أول بعثة النبي عليه الصلاة والسلام كان لهم من الإيمان والكمال والتمام فيه ما لهم بغير عمل؛ لأنه لم تنزل الأعمال حينئذ، فلم تشرع الصلاة ولا الصيام ولا الزكاة ولا الحج، ولا الأمر بالمعروف؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان مأموراً أن يدعو سراً، فلم يكن هناك شيء من العمل في أول الأمر، ومع هذا كانوا في كمال الإيمان وتمامه؛ لأن هذا هو المفروض عليهم في ذلك الوقت.
فلما أتوا به كاملاً كانوا على درجة عالية من كمال الإيمان والإسلام، فقوله: (تعلموا الإسلام) أي: تعلموا توحيد الله، تعلموا الإيمان الحق بالله تعالى وأسمائه وصفاته وأفعاله، والإيمان بالأنبياء والكتب، واليوم الآخر والقدر خيره وشره، وغير ذلك من مسائل الإيمان، والتي منها: الغيب، وغيره.
فإذا تعلمتم هذا واستقر الإيمان في قلوبكم، فتعلموا القرآن؛ لأن القرآن مع هذه الأرض الصالحة الطيبة ينفع، {وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِدًا} [الأعراف:٥٨] والتقدير: لا يخرج منه إلا نكداً.
فإذا كانت الأرض صالحة والإيمان قد استقر في القلب، فحينئذ لا يسمع القلب آية من كتاب الله إلا وينتفع بها، يقف عندها فيقول: ما المراد من هذه الآية؟ وما المطلوب مني؟ وما الواجب؟ فلا يمر بآية إلا ويعمل بها؛ ولذلك جاء عن الصحابة أنهم كانوا يتعلمون القرآن عشر آيات عشر آيات، يحفظونها علماً وعملاً واعتقاداً، ولا يتعدونها إلا إذا عملوا بمقتضاها، فازدادوا بهذا العمل إيماناً؛ لأن الإيمان يزيد بالعمل -أي: بالطاعة- وينقص بالمعصية، فحينئذ قال: تعلموا الإسلام، فإذا تعلمتموه فتعلموا القرآن، فإذا تعلمتموه فتعلموا السنة، فإن سنة نبيكم صراط مستقيم.
وإياكم وهذه الأهواء المؤذية -أي: البدع والأهواء والضلالات والانحرافات عن سنة النبي صلى الله عليه وسلم.
إياكم وإياهم- فإنها تلقي بين الناس العداوة، وعليكم بالأمر الأول العتيق، أي: سنة النبي الأمين صلى الله عليه وسلم.
وقال الإمام مالك: إياكم والبدع.
قيل: يا أبا عبد الله! وما البدع؟ قال: أهل البدع الذين يتكلمون في أسماء الله وصفاته.
أي: على جهة النفي أو التأويل أو التحريف أو التمثيل، أما الذي يتكلم في أسماء الله وصفاته على سبيل الإثبات اللائق بالله عز وجل فهم أهل السنة والجماعة.
قال: أهل البدع هم الذين يتكلمون في أسماء الله وصفاته وكلامه -أي: ينفون عن الله تعالى أنه يتكلم- وعلمه وقدرته، ولا يسكتون عما سكت عنه الصحابة والتابعون لهم بإحسان.