[تعليق أبي إسماعيل الهروي على حديث احتجاج آدم وموسى]
وبعد هذا البيان والتفسير كله يقول: إذا عرفت هذا فموسى أعرف بالله وأسمائه وصفاته من أن يلوم آدم على ذنب قد تاب منه فاعله فاجتباه ربه بعده وهداه واصطفاه، وآدم أعرف بربه من أن يحتج بقضائه وقدره على معصيته، والمعلوم يا إخواني! أن القضاء والقدر إنما يحتج به في باب المصائب لا في باب المعائب، فيحتج المرء بالقدر على المصيبة التي تنزل به، فمثلاً: إذا سئل المريض: لماذا أنت مريض؟ فيرد عليك قائلاً: يا أخي! هذا قدر الله، ومثله: يا فلان! لماذا أنت أعمى؟ لأن الله كتب وقدر علي العمى، فهذا احتجاج بالقدر في باب المصائب، وهذا محل إجماع، أي: أن القدر يحتج به في باب المصائب، ولا يحتج به في باب المعائب التي هي الذنوب، وهذا الكلام مطلق، أي: قولهم: يحتج بالقدر في باب المصائب ولا يحتج به في المعائب، لكن الخلاف هل يحتج بالقدر في باب المعائب بعد التوبة منها أم لا؟ هذا تحرير المسألة.
قال: بل إنما لام موسى آدم على المعصية التي نالت الذرية بخروجهم من الجنة، وهذا رأي عبد الرزاق وابن تيمية وابن القيم وابن عثيمين على الجميع رحمة الله.
ولذا فموسى كان يلوم آدم على المصيبة لا على الذنب؛ لأن موسى أعرف بالله وأسمائه وصفاته من أن يلوم أحداً على ذنب قد تاب منه، وهو يعلم أن من تاب من الذنب كمن لا ذنب له، وكذلك آدم لا يمكن أن يكون محتجاً بالقدر على الذنب، لكن ما هي القصة؟ نحن متفقون على أن هناك لوماً، فما مصدر هذا اللوم؟ قالوا: بل إنما لام موسى آدم على المعصية التي نالت الذرية بخروجهم من الجنة، ونزولهم إلى دار الابتلاء بسبب خطيئة أبيهم، فذكر الخطيئة تنبيهاً على سبب المعصية، والمحنة التي نالت الذرية، ولهذا قال له (أخرجتنا ونفسك من الجنة)، ولم يقل له: أخرجتنا من الجنة، وإنما قال له: أنت فعلت خطيئة تسببت في مصيبة، وهذه المصيبة لحقتك ولحقت ذريتك، فأخرجت من الجنة إلى الأرض، فهذه مصيبة عظيمة جداً، ومصدر هذه المصيبة الذنب، فهو ما لامه على الذنب وإنما لامه على المصيبة التي حلت به وبذريته، وأنا غير مقتنع بهذا الرأي أبداً، والذي أقتنع به تماماً أنه يجوز الاحتجاج بالقدر على الذنب بعد التوبة منه، وهذه من مسائل الاعتقاد التي لا يحل لطالب علم يستطيع أن يميز بين أقوال أهل العلم أن يقلد رأياً بغير قناعة؛ لأن هذا دين، ودين الله تبارك وتعالى إذا ترجح لدى طالب علم في قضية من القضايا أصبح ديناً في حقه الذي يحاسبه عليه الله يوم القيامة، وفي لفظ:(خيبتنا).
قال: فاحتج آدم بالقدر على المصيبة، وقال: إن هذه المصيبة التي نالت الذرية بسبب خطيئتي كانت مكتوبة بقدره قبل خلقي، والقدر يحتج به في المصائب دون المعائب، أي: أتلومني على مصيبة قدرت علي وعليكم قبل خلقي بكذا وكذا سنة.
هذا جواب شيخنا: أبي إسماعيل الأنصاري رحمه الله تعالى.