[صفات المنافقين عند سماع القرآن وحضور العبادات البدنية والتربص بالمؤمنين]
قال: أسماع قلوبهم قد أثقلها الوقر فهي لا تسمع منادي الإيمان، وعيون بصائرهم عليها غشاوة العمى فهي لا تبصر حقائق القرآن، وألسنتهم بها خرس عن الحق فهم به لا ينطقون، كما قال تعالى: {صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ} [البقرة:١٨].
لهم علامات يعرفون بها مبينة في السنة والقرآن، بادية لمن تدبرها من أهل بصائر الإيمان، قام بهم والله الرياء وهو أقبح مقام قامه الإنسان، وقعد بهم الكسل عما أمروا به من أوامر الرحمن، فأصبح الإخلاص عليهم لذلك ثقيلاً -يعني: من علامات المنافقين أنهم ليسوا مخلصين- كما قال تعالى: {وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا} [النساء:١٤٢]، فهذه ثلاث علامات: إذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى، يراءون بهذه العبادة الناس، كما أنهم لا يذكرون الله إلا قليلاً.
أحدهم -أي: هؤلاء المنافقين- كالشاة العائرة بين الغنمين، أي: المتحيرة بين مجموعتين من الغنم.
تعير إلى هذه مرة وإلى هذه مرة، ولا تستقر مع إحدى الفئتين، فهم واقفون بين الجمعين ينظرون أيهم أقوى وأعز قبيلاً، كما قال تعالى: {مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لا إِلَى هَؤُلاءِ وَلا إِلَى هَؤُلاءِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا} [النساء:١٤٣].
كما أن من علاماتهم: أنهم يتربصون الدوائر بأهل السنة والقرآن، يعني: يتربصون الدوائر وينتظرون السقطات والهفوات لأهل السنة والقرآن.
فإن كان لهم فتح من الله قالوا: ألم نكن معكم؟ وأقسموا على ذلك بالله جهد أيمانهم، وإن كانت الدائرة لأعداء الكتاب والسنة ولهم نصرة ونصيب قال المنافقون: ألم تعلموا أن عقد الإخاء بيننا محكم -يعني: يميلون إلى الكفار إذا كانت الدائرة لهم- وأن النسب بيننا قريب، فيا من يريد معرفتهم! خذ صفاتهم من كلام رب العالمين فلا تحتاج بعده دليلاً، قال الله تعالى: {الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللَّهِ قَالُوا أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ وَإِنْ كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ قَالُوا أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا} [النساء:١٤١].
يعجب السامع قول أحدهم لحلاوته ولينه.
وهذه أيضاً من علامات المنافقين، وهي أنهم يتكلمون بكلام جميل جداً جداً، ولكن هذا على الجاهل، أما العالم فلا.
قال: وكذلك يشهد الله على ما في قلبه من كذبه وتمويهه، فتراه عند الحق نائماً وفي الباطل على الأقدام واقفاً، فخذ وصفهم من قول القدوس السلام: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ} [البقرة:٢٠٤].
أوامرهم التي يأمرون بها أتباعهم متضمنة لفساد البلاد والعباد.
يعني: لا يأمرون بالمعروف، إنما يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف.
يقول: وأحدهم تلقاه بين جماعة أهل الإيمان في الصلاة والذكر والزهد والاجتهاد.
يعني: هم كذلك يصلون ويصومون ويحجون، بل ويجاهدون في صفوف الموحدين، ومع هذا قال الله تعالى: {وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسَادَ} [البقرة:٢٠٥].
إن حاكمتهم إلى صريح الوحي وجدتهم عنه نافرين، أي: كلما تقول لهم: ألسنا مأمورين عند الخلاف والنزاع أن نحكم الكتاب والسنة؟ فيقولون: معذرة، اترك هذا الكتاب على جنب، واترك السنة على جنب، واترك ربنا على جنب والرسول على جنب ولنحتكم إلى العقل! فحقيقة أن هذه النصوص كانت في الزمن الماضي، نزلت في مشركي مكة أو في يهود المدينة أو في نصارى الشام فهذا كفر يا إخوان وردة صريحة جداً لا تحتاج إلى اجتهاد، لو أتى جاهل وقال: هذا ردة والقائل بها مرتد لا نطالبه قط بثبوت الاجتهاد لديه أو العلم؛ لأن هذا أمر معلوم من الدين بالضرورة.
قال: إن حاكمتهم إلى صريح الوحي وجدتهم عنه نافرين، وإن دعوتهم إلى حكم كتاب الله وسنة رسوله رأيتهم عنه معرضين، فلو شهدت حقائقهم لرأيت بينها وبين الهدى أمداً بعيداً، ورأيتها معرضة عن الوحي إعراضاً شديداً، قال تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا} [النساء:٦١]، فيقول القائل منهم: لا أريد ديناً، ليس كلما أكلمك تقول: إن ربنا قال والرسول قال! وهذه علامة المنافق، نحن كلنا نقول ذلك، وآباؤنا وأمهاتنا وبلادنا وأمتنا كلها تقول هذا الكلام، إذاً: فعلاً لو خرج للمنافق ذنب سيستوحش المؤمن، بل إنه لن يجد أحداً، كلما تقع عينه على شخص يجد له ذنباً، وسيموت كمداً، والله عز وجل ساتر لنا.