وهناك نص مهم جداً لـ سهل بن عبد الله التستري، وهو يعتبر نصاً جامعاً فيما يتعلق بمسألة القدر.
قال: [قال سهل بن عبد الله التستري: ليس في حكم الله عز وجل أن يملك علم الضر والنفع إلا الله عز وجل -أي: ليس هناك نزاع في ذلك، فإن الله تعالى هو الذي يملك الضر والنفع- ولكن حكم العدل في الخلق إنكار فعل غيرهم من الضر والنفع، وهو حجة الله علينا، أمرنا بما لا نقدر عليه إلا بمعونته، ونهانا عما لا نقدر على تركه والانصراف عنه إلا بعصمته، وألزمنا بالحركة بالمسألة له المعونة على طاعته، وترك مخالفته في إظهار الفقر والفاقة إليه، والتبري من كل سبب واستطاعة دونه، فقال:{يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ}[فاطر:١٥]، قال: فخرجت أفعال العباد في سرهم وظاهرهم على ما سبق من علمه فيهم، من غير إجبار منه لهم في ذلك أو في شيء منه -أي: أن أفعال العباد خيرها وشرها وقعت منهم على ما سبق في علم الله عز وجل في الأزل قبل أن يخلق الخلق، من غير إجبار منه لهم، لا على فعل الطاعة ولا على فعل المعصية- ولا قسر ولا إكراه، ولا تعبد ولا أمر، بل بقضاء سابق ومشيئة وتخلية منه لمن شاء، كيف شاء، لما شاء، فله الحجة على الخلق أجمعين، فأفعال الخلق وأعمالهم كلها من الله مشيئة].
أي: أن الله تعالى شاء من فلان الطاعة، وشاء من فلان المعصية مشيئة كونية قدرية في باب المعصية، لن نرضاها ولا نحبها، لكن نؤمن بها أنها من عند الله عز وجل، وقد طرحنا السؤال من قبل: هل يجب الإيمان بالقضاء والقدر والرضا به؟
الجواب
يجب أن نؤمن بالقدر خيره وشره، لكن لا نرضى بالشر؛ لأن الله تعالى نهانا عنه، وحذرنا منه، ورتب عليه العقوبة في الدنيا والآخرة.
قال: [فأفعال الخلق وأعمالهم كلها من الله مشيئة، فيها معنيان: فما كان من خير فالله أراد ذلك منهم، وأمرهم به، ولم يكرهم على فعله، بل وفقهم له -إذاً: الطاعة ليس فيها إكراه، لكنها توفيق من الله- وأعانهم عليه، وتولى ذلك الفعل منهم وأثابهم عليه، وما كان من فعل شر فالله عز وجل نهى عنه، ولم يجبر عليه، ولم يتول ذلك الفعل، بل أراد العبد به والتخلية بينه وبينه، وشاء كون ذلك قبيحاً فاسداً؛ ليكون ما نهى ولا يكون ما أمر، ويظهر العلم السابق فيه:(فمنهم شقي وسعيد)، فهو من الله مشيئة، ومن الشيطان تزيين، ومن العبد فعل].
فالشر من الله مشيئة، شاء الله تعالى لهذا الفعل القبيح الفاسد الشر أن يكون موجوداً في الكون مخلوقاً، فالله تعالى يشاء الخير والشر، ويقدر الخير والشر، ويأذن في حق الخير والشر، والشيطان يزين الشر، والعبد هو الذي يجترح ويقترف ذلك بجوارحه.
وأما الخير فالله تعالى أراده إرادة شرعية دينية، وأحبه وتولاه، وأثاب عليه في الدنيا والآخرة، ولم يجبر العبد عليه وإنما وفقه، وفي المقابل لم يجبر العبد على المعصية، لكن الله تخلى عنه، فزين له الشيطان الشر فاقترفته يداه.