للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تتابع الفتن حتى يقول الناس إنها سنة]

قال: [وقال مطرف: إن الفتنة لا تجيء تهدي الناس، ولكن لتقارع المؤمن عن دينه.

أي: لتصرف المؤمن عن دينه].

هذا شأن الفتن، فتجد الشخص طوال حياته وعمره في الفتنة الخاصة يسعى ويتحرك، ويصور له الشيطان أنه باحث عن الحقيقة، حتى سمى أحدهم نفسه سلمان الفارسي، فقلنا له: ما سبب تسمية نفسك بهذا الاسم؟ قال: لأنني باحث عن الحقيقة، ويقول: إن الله عز وجل ذكر في القرآن الذي هو منقول عندنا بالتواتر الأمر بإقامة الصلاة فقط، لكن أنا ما يدريني أن النبي عليه الصلاة والسلام صلى الظهر أربعاً، وصلى العصر أربعاً والمغرب ثلاثاً؟ فهل يمكن أن نتفاهم مع هذا؟! قال مطرف: إن الفتنة لا تجيء تهدي الناس، ولكن لتقارع المؤمن عن دينه.

قال: [وعن حذيفة قال: إياكم والفتن؛ فوالله ما يشخص فيها أحد إلا نسفته كما ينسف السيل الدمن، إنها مشبهة متصلة، حتى يقول الجاهل: هذه سنَّة].

ترد الفتن الأولى وراء الثانية ثم الثالثة ثم الرابعة، فتكون فتناً متلاحقة إلى أن يألف الناس حياة الفتن.

فتصور أن الفتن تنزل بك واحدة فالثانية فالثالثة فالرابعة فالعاشرة إلى أن تألف العيش طوال عمرك في الفتن، فتخرج من فتنة وتدخل في أخرى، فلما كثرت الفتن صارت هي الأصل، وهذا كالبدع تماماً، فالآن لو صدر قرار مثلاً من وزارة الداخلية ووزارة الأوقاف في وقت واحد بإلغاء القبور من المساجد، وإخراج الموتى منها ونقل عظامهم إلى المقابر، وتطهير المساجد كلها من الشرك والبدع وإقامتها على التوحيد؛ فإن ثلاثة أرباع الأمة سيظل يبكي ويولول ويقول: إنهم خربوا الدين وخربوا الدنيا، وعملوا كذا وكذا، فبذلك تنعدم السنن؛ يقول ذلك لأن السنة بالنسبة له هي البدعة، وطن نفسه على أنها هي البدعة، فلما أزيلت البدع قال: ما بال السنن قد غيرت؟ يقول ذلك لأنه تربى على البدعة، وتربى على الفتنة حتى صارت الفتنة أصلاً، وصارت البدعة أصلاً، فلما غيرت وبدلت البدع والفتن؛ قيل: ما بال السنن قد بدلت وغيرت؟ وليس الأمر كذلك، لكن لإلف الناس للبدع، فقد ألفوها وصارت عندهم أصلاً.

قال: [حتى يقول الجاهل: هذه سنة، وتتبين مدبرة، فإذا رأيتموها فاجثموا في بيوتكم، وكسِّروا سيوفكم، وقطِّعوا أوتاركم].