الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن ولاه.
وبعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.
أما بعد: فقد فرغنا من الكلام عن مسائل الإيمان فيما يتعلق بهذا الجزء الخاص بالإيمان من كتاب الإبانة للإمام ابن بطة، ويبقى موضوعان خطيران جداً وهما: موضوع القدرية، وموضوع الجهمية، ولكل موضوع من هذين الموضوعين مجلدان تقريباً من هذا الكتاب، لكن يحسن بنا قبل أن نفتح واحداً من هذين الموضوعين أن نتم الكلام عن مسائل الإيمان خاصة فيما يتعلق بواقع الصحوة الإسلامية على الأقل في مصر.
ولو أردت أن أدخل في الموضوع مباشرة سأقول: إن بعض أهل العلم وضع تصوراً لمسائل الإيمان والكفر، وهذا التصور لم يوافقه عليه أحد من السلف، وإن شئت فقل: هذا التصور مخالف لتعريف السلف للإيمان أو لحد الإيمان، مما حدا به أن ينسب قولاً للسلف لم يقولوه، وأن يتهم الآخرين بأنهم حادوا عن منهج السلف، وفي حقيقة الأمر أنهم ليسوا كذلك، كما أنني لا أقول: إنه بهذا المعتقد صار من أهل البدع، وإنما أقول: لما جهل المسألة أتى بالطامات، وهو يظن أنه على الحق.
وليس ظن الشخص أنه على الحق لازم لإصابة الحق، فالمرء أحياناً يظن أنه على الحق، أو يتيقن على الأقل عند نفسه أنه على الحق المبين، وهذا لا يلزم منه أن يكون ما هو عليه هو الحق، بل ربما يكون الباطل الذي ليس بعده بطلان، والأمر كذلك في بعض مسائل الإيمان التي أخذت جدلاً عظيماً جداً في هذه البلاد وفي غيرها بين منهج المرجئة ومنهج السلف، والعجيب أننا نجد أن من تبنى مذهباً في مسائل الإيمان يوافق مذهب المرجئة يزعم أن المخالف له من الخوارج، وهذا الكلام ليس بصحيح، وإنما الصحيح أن من تبنى تعريف الإيمان يقول فيه: الإيمان قول وعمل يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، وهذا الكلام هو تعريف الإيمان عند أهل السنة والجماعة.
أما عند ذاك القائل به فإنما حفظ ذلك حفظاً ولم يقدر أن يطبق ذلك عملاً، ولذلك يقول: العمل ليس من الإيمان، وأحسن أحواله أن يقول: العمل من الإيمان، لكنه شرط كمال فحسب، وهو جاهل بهذه المقولة وبأصل هذه المقولة.