[بيان أن الصالحين والموعودين بالجنة لا يجادلون في دين الله تعالى]
قال: [وقال أبو الدرداء وأبو أمامة وأنس بن مالك وواثلة بن الأسقع رضي الله عنهم أجمعين: (خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن الإسلام بدأ غريباً، وسيعود غريباً؛ فطوبى للغرباء)].
وطوبى قيل: هي منزلة في الجنة، وقيل: هي شجرة في الجنة وقيل غير ذلك.
[قال:(فطوبى للغرباء، فقيل: يا رسول الله! من الغرباء؟ قال: الذين يصلحون إذا فسد الناس)] أي: يُصلِحون الناس حين فسدوا، أو يَصلُحون هم في وقت قد فسد فيه الناس.
[قال:(لا يمارون في دين الله، ولا يكفرون أهل القبلة بذنب)]، وهذه زيادة، وأصل الحديث عند مسلم:(إن الإسلام بدأ غريباً).
وقوله:(قيل: من الغرباء؟) إلى آخر الحديث هي زيادات متنوعة وكثيرة جداً لم يصح منها من جهة الإسناد شيء إلا ما يشهد له بعض النصوص، كما جاء (قيل: يا رسول الله! ومن الغرباء؟ قال: النزاع من القبائل)، وقيل:(هم الذين يصلحون عند فساد الناس) وقيل غير هذا.
[وعن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أنا زعيم لمن ترك المراء وهو محق ببيت في ربض الجنة)].
قوله:(أنا زعيم): يعني: أنا كفيل ومسئول، وربض الجنة: هو ما حواليها.
[قال:(وبيت في وسط الجنة، وبيت في أعلى الجنة)] أي: حوالي الجنة، فهذه ثلاثة بيوت لمن ترك المراء وهو محق؛ حتى لا يتمادى مع أصحاب الأهواء، وأصحاب الكلام، وأصحاب البدع؛ لأنه لو تمادى ربما وقع في قلبه ما يشككه، أو يعكر عليه صفوه.
فهذه دعوة للحفاظ على القلوب، والحفاظ على العقول، فإذا أنت لم تفلح في رد هذا الخصم؛ فلا أقل من أنك تشوش في معلوماتك وفي عقيدتك، وتراجع نفسك مرة أخرى، وهذه المراجعة الذي دفعك إليها هو بداية الشك الذي أوقفك عليه ذلك المجادل.
ولذلك قال عليه الصلاة والسلام:(أنا زعيم لمن ترك الجدال وهو محق ببيت في ربض الجنة، وبيت في وسط الجنة، وبيت في أعلى الجنة)، فهذه ثلاثة بيوت لمن ترك الجدال وهو محق.