إخبار الله أمة محمد بأنه خلق خلقاً للابتلاء والفرقة وتحذيره سبحانه من متابعتهم
[وقد أعلمنا الله تعالى أنه قد خلق خلقاً للاختلاف والفرقة، وحذرنا أن نكون كهم لهم -أي: أن نتمثل بصفاتهم- واستثنى أهل رحمته لنواظب على المسألة أن يجعلنا منهم، فقال تعالى: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ} [هود:١١٨ - ١١٩].
ثم حذر نبيه صلى الله عليه وسلم أن يتبع أهل الأهواء المختلفين وآراء المتقدمين، فقال عز وجل: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ} [المائدة:٤٩]-أي: يا محمد! إذا أتاك الخصمان فاحكم بينهما بما أنزل الله- {وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ} [المائدة:٤٩].
وقال: {فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا} [المائدة:٤٨].
وقال: {وَلَقَدْ آتَيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ * وَآتَيْنَاهُمْ بَيِّنَاتٍ مِنَ الأَمْرِ فَمَا اخْتَلَفُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ * ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ * إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ} [الجاثية:١٦ - ١٩].
وقال عز وجل فيما ذم به المخالفين: {فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُرًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ} [المؤمنون:٥٣].
وعن ابن عباس في قوله تعالى: {وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ} [الأنعام:٦٨].
وفي قوله: {فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ} [آل عمران:٧].
وفي قوله: {وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ} [الأنعام:١٥٣].
وفي قوله: {أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ} [الشورى:١٣].
وفي قوله: {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا} [الأنعام:١٥٩].
وفي قوله: {وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا} [آل عمران:١٠٥].
وفي قوله: {فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ} [المؤمنون:٥٣].
ونحو هذا في القرآن كثير، قال ابن عباس: أمر الله تعالى المؤمنين بالجماعة، ونهاهم عن الاختلاف والفرقة، وأخبرهم أنه أهلك من كان قبلهم بالمراء والخصومات في دين الله عز وجل.
وقال ابن المهاجر: سئل عيسى بن مريم عن الفرقة والاختلاف ما يوقعهما بين الناس؟ قال: البغي، والحسد، وما يلائمهما من المعصية، وما يريده الله تعالى بالعامة من النقمة].
ثلاثة أشياء: بغي، حسد، معاص يكون من نتيجتها أن تنزل اللعنة والغضب من الله عز وجل فتأخذ العامة؛ لأنهم تركوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أو أنهم أمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر اليوم، ورضوا به غداً كما فعل بنو إسرائيل.
هذه بعض الآيات الواردة في الأمر بالجماعة والنهي عن الفرقة والاختلاف، والأمر باعتقاد الحق المبين، والبينات التي جاء بها المرسلون، خاصة نبينا عليه الصلاة والسلام، فلا يأتي من يزعم أنه على حق وأنه متمسك بالإنجيل مثلاً، فكل الكتب السماوية السابقة محرفة ومبدلة ومغيرة إن وجدت، وهذا ما تم إلا بفضل الله عز وجل، حتى لا يبقى كتاب صحيح ولا شرع ولا وحي نزل من السماء محفوظ بحفظ الله إلا القرآن الذي أنزل على محمد عليه الصلاة والسلام، وهو الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وهو السراج الذي يضيء للناس حياتهم الشرعية والدنيوية، فبه إنارة الكون، وبه إنارة القلوب بنور الوحي ونور الإيمان المؤدي إلى جنة الله عز وجل.