[نقل النووي لكلام الخطابي في معنى الإسلام والإيمان]
فقال الإمام النووي هنا: بين الإيمان والإسلام عموم وخصوص.
أي: كل مؤمن مسلم، وليس العكس.
قال: وأن الإيمان يزيد وينقص، وأن الأعمال من الإيمان، وقد أكثر العلماء رحمهم الله تعالى من المتقدمين والمتأخرين القول في كل ما ذكرناه، وأنا أقتصر على نقل أطراف من متفرقات كلامهم يحصل منها مقصود ما ذكرته مع زيادات كثيرة، نقلاً عن الإمام أبي سليمان أحمد بن محمد بن إبراهيم الخطابي البستي الفقيه الأديب الشافعي المحقق، في كتابه معالم السنن.
قال: ما أكثر ما يغلط الناس فى هذه المسألة، فأما الزهري فقال: الإسلام الكلمة والإيمان العمل، واحتج بالآية: {قَالَتِ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الإيمان فِي قُلُوبِكُمْ وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا} [الحجرات:١٤].
فالله عز وجل أنكر على الأعراب ذلك، وقال: بل قولوا أسلمنا.
فنفي الله عز وجل هنا لإيمان الأعراب نفيٌ للإيمان المطلق الذي هو الإيمان الكامل التام؛ لأنه لو لم يكن في قلوبهم إيمان بما شهدوا به لكانوا منافقين وكانوا كفاراً، فالله عز وجل قال لهم: بل قولوا أسلمنا.
قال: وذهب غيره إلى أن الإسلام والإيمان شيء واحد.
يعني: أن كل مسلم مؤمن وكل مؤمن مسلم، وهذا كلام خطأ كالكلام السابق تماماً، هذا على فرض ثبوته عن الإمام الزهري.
أما القائل الثاني، الذي قال بأن الإيمان والإسلام شيء واحد، فاحتج بقول الله تعالى: {فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ * فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [الذاريات:٣٥ - ٣٦].
قال الخطابي: وقد تكلم في هذا الباب رجلان من كبراء أهل العلم، وصار كل واحد منهما إلى أحد هذين، ورد الآخر منهما على المتقدم، وصنف عليه كتاباً يبلغ عدد أوراقه المئين.
قال الخطابي: والصحيح من ذلك أن يقيد الكلام في هذا ولا يطلق.
الإمام الخطابي من عظماء وفحول أهل العلم، كما أن الذهبي كذلك في بابه، والحافظ ابن حجر في بابه، فهؤلاء أئمة علماء الاستقراء، إذا قال الخطابي: قلت، بعد ذكر خلاف العلماء في قضية ما، فعض على قول الخطابي بالنواجذ، واعلم أنه دين الله عز وجل الذي أنزله من السماء.
وكذلك قول الذهبي: قلت، وقول الحافظ ابن حجر: قلت وغير ذلك من كلام سائر علماء المسلمين المشهود لهم بالعلم والتثبت والإمامة.
الخطابي يقول: والصحيح من ذلك أن يقيد الكلام في هذا ولا يطلق، يعني: لا يقال: كل مؤمن مسلم، ولا كل مسلم مؤمن، بل لابد من تقييد الكلام.
قال: وذلك أن المسلم قد يكون مؤمناً في بعض الأحوال ولا يكون مؤمناً في بعضها، والمؤمن مسلم في جميع الأحوال، فكل مؤمن مسلم وليس كل مسلم مؤمناً، وإذا حملت الأمر على هذا استقام لك تأويل الآيات واعتدل القول فيها، ولم يختلف شيء منها عليك.
يريد أن يقول: إن المسألة تحتاج إلى تقييد: إذا كان الإيمان أعلى من الإسلام فلابد أن يكون المؤمن مسلماً، وليس العكس، فليس كل مسلم مؤمناً؛ لأن الإيمان درجة أعلى من درجة الإسلام، فالذي يحقق المرتبة الدون لابد أنه يقصر عن المرتبة العليا، أما الذي حقق المرتبة العليا فلابد أن يحقق بالتبعية المرتبة الدون؛ لأنه لا يرتقي هذه الدرجة إلا وقد حقق ما قبلها وهو الإسلام.
ثم قال: وأصل الإيمان التصديق، والأصح من هذا القول الإقرار، أصل الإيمان هو الإقرار، وهو إقرار القلب واللسان، فهو عرف الإيمان بالتعريف اللغوي، كما في قول الله تعالى على لسان إخوة يوسف: {وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ} [يوسف:١٧]، أي: وما أنت بمصدق لنا، فالإيمان بمعنى التصديق، فعرف الإيمان لغة بأنه التصديق.
أما الإيمان في الشرع فإنه إقرار القلب وإقرار اللسان، أي: الشهادة باللسان، وأن اللسان عبر عن مكنون القلب، وعما انعقد عليه القلب.
قال: وأصل الإسلام الاستسلام والانقياد.
إذاً: الإسلام هو الاستسلام والانقياد والإذعان والخضوع والذل لله عز وجل.
فقد يكون المرء مستسلماً في الظاهر غير منقاد في الباطن، وهذا شأن المنافقين، كانوا يشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، ويقيمون الصلاة، ويؤتون الزكاة، ويحجون بيت الله الحرام، ويجاهدون مع النبي عليه الصلاة والسلام، ولكنهم غير منقادين في الباطن.
وقد يكون صادقاً في الباطن غير منقاد في الظاهر، يعني: يكون عاصياً، هو يحب الله ويحب رسوله، ولا يرضى أبداً بالكفر، وأنتم تعلمون عندما يقول شخص لشخص: يا نصراني! فيقول الآخر: أعوذ بالله من الشيطان، لأنه يكره الكفر ويحب الإيمان.
وإذا بحثنا عن ظاهره نجده صاحب معاص، منها الكبا