[أقوال الحسن البصري في إثبات القدر]
قال: [عن حميد قال: كان الحسن يقول: لأن أسقط من السماء إلى الأرض أحب إلي من أن أقول: إن الأمر في يدي أصنع به ما شئت]، وهذا نص يبين اعتقاد الحسن أن الأمور كلها بيد الله عز وجل.
[وقال: من كذب بالقدر، فقد كذب بالقرآن].
والمعلوم أن من كذب بالقرآن فقد كفر.
[وعنه قال في قول الله تعالى: {وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ} [هود:١١٩] قال: خلق هؤلاء للجنة وهؤلاء للنار].
أي: قبل أن يخلقهم علم ما هم عاملون، وما هم إليه صائرون، فجعل قسماً من خلقه في النار، وجعل قسماً من خلقه في الجنة قبل أن يخلقهم.
قال: [وعن منصور بن عبد الرحمن قال: كنت مع الحسن، فقال لي رجل إلى جنبه: سله عن قوله تعالى: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا} [الحديد:٢٢]، قال: فسألته عنها فقال: ومن يشك في هذا؟ ما من مصيبة بين السماء والأرض إلا في كتاب من قبل أن تبرأ النسمة] أي: من قبل أن يخلق الله تعالى فاعلها، علمها فكتبها، فهي عنده في كتاب مكنون وفي رق منشور.
قال: [وعن قرة بن خالد قال: سمعت رجلاً يسأل الحسن عن قول الله تعالى: {وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ} [هود:١١٨ - ١١٩] قال: خلقهم للاختلاف] أي: لاختلاف مصائرهم: فهذا في الجنة وذاك في النار.
[وقال حميد: قال رجل للحسن: يا أبا سعيد! من خلق الشيطان؟ قال: سبحان الله! وهل خالق غير الله؟ الله خلق الشيطان، والله خلق الخير، والله خلق الشر فقال الشيخ: قاتلهم الله كيف يكذبون على هذا الشيخ؟!] يعني: كيف يفتري القدرية الكذب على هذا الإمام الذي لم يقل يوماً من الأيام: إن الله تعالى لم يخلق الشر؟! [وقال ابن المبارك: جالست الحسن ثنتي عشرة سنة، فما سمعته يفسر شيئاً من القرآن إلا على إثبات القدر.
وعن يونس وحميد قالا: كان تفسير الحسن كله على الإثبات.
وعن منصور بن ذازان قال: سألت الحسن ما بين (الحمد لله رب العالمين) إلى (قل أعوذ برب الناس) ففسره على الإثبات].
يعني: سألته عن القرآن كله من أوله إلى آخره فما فسره إلا على جهة إثبات القدر.
[وقال حميد: كان الحسن يقول: لأن أسقط من السماء أحب إلي من أن أقول: الأمر بيدي، ولكن أقول: إذا أذنب أحدكم ذنباً فلا يحملنّ ذنبه على ربه، ولكن يستغفر الله ويتوب إليه] يعني: لا يحل لأحد أن يحتج بالقدر على المعصية، وهذا الكلام قررناه من قبل، وقلنا: الاحتجاج بالقدر يكون على المصائب التي تنزل بالعبد دون المعايب التي تصدر منه.
قال: [وقال كثير بن زياد: سألت الحسن عن هذه الآية: {وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ} [الزمر:٦٠] قال: هم الذين يقولون: الأشياء إلينا: إن شئنا فعلنا، وإن شئنا لم نفعل] يعني نحن لنا مشيئة، ولا علاقة لله تعالى بأفعال العباد.
[وعن يونس بن عبيد عن الحسن في قول الله تعالى: {فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا} [الشمس:٨ - ١٠] قال الحسن: قد أفلحت نفس أتقاها الله، وقد خابت نفس دساها الله].
يعني: الذي يلهم النفس تقواها وفجورها ويزكيها ويدسيها هو الله عز وجل.
قال: [وعن يحيى بن كثير العنبري قال: كان قرة بن خالد يقول لنا: يا فتيان لا تغلبوا على الحسن؛ فإنه كان رأيه السنة والصواب].
يعني: لا يضحك عليكم أحد ويقول: إن الحسن كان قدرياً، بل كان في باب القدر من أهل السنة، فلا يفتننكم أحد في هذا الإمام.
قال: [وقال عوف: سمعت الحسن يقول: من كذب بالقدر فقد كذب بالإسلام، إن الله عز وجل قدر خلق الخلق بقدر، وقسم الأرزاق بقدر، وقسم البلاء بقدر، وقسم العافية بقدر، وأمر ونهى].
فمن يقول: إن الأمور كلها بيديه لا بد أنه سيبطل الأمر والنهي، ومن يقول: إن الله تعالى ما شاء الشر وما أذن في خلقه وإيجاده؛ فلا بد أنه يصل في نهاية الأمر إلى أن الأمر والنهي في الكتاب والسنة لا قيمة لهما.
قال: [وعن ربيعة بن كلثوم قال: سأل رجل الحسن ونحن عنده، فقال: يا أبا سعيد أرأيت ليلة القدر أفي كل رمضان هي؟ قال: إي والله الذي لا إله إلا هو إنها ل