للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[قوة الشيخ الألباني في الحق وعدم محاباته لأقربائه]

مثال آخر: ولده عبد المصور الذي تغيب في أمريكا عدة أعوام، هذا الولد إذا نظرت في وجهه استحييت من فرط أدبه، جاء عبد المصور من أمريكا وذهب إلى الجامعة، فقالوا له: ما معك تزكية وأنت ابن الشيخ الكبير؟! اذهب وأحضر إجازة من والدك؛ لأن هذا عندنا إجراء روتيني لا بد من استيفائه.

فجاء إلى والده -ونحن جلوس في بيته- وتلطف غاية التلطف في طرح قضيته على والده، فالشيخ الألباني قال له: تريد تزكية؟ قال: نعم، قال: ائتني بورقة وقلم، ونحن أخذنا الأمر عادياً وطبيعياً أنه سيعطي لابنه إجازة، فكتب في الورقة: أما بعد: فهذا ولدي عبد المصور بن محمد ناصر الدين الساعاتي تغيب عني منذ أربعة عشر عاماً في بلاد الكفر، ولا أدري عن دينه ولا خلقه شيئاً، والسلام.

فأخذها عبد المصور وأطبقها، ثم وضعها في جيبه ولم يقرأها حتى انصرف عن والده، فسألناه بعد ذلك عما كتب أبوه، فأخرج الورقة وقرأها علينا، وقال: هو محق في ذلك؛ لأنه بالفعل الإنسان يتغير في يوم وليلة، ويتغير في لحظة، وأنا قد تغيبت عنه، فالولد التمس لأبيه هذا، وهو يعرف منهجية أبيه وشدته في الحق، فالتمس له العذر، لكن ذاك المصري لا، حتى وإن كان طالب علم، لكن بمجرد أنه يريد منك شيئاً فلا بد أن تعمله له وإلا سيغضب منك.

والشيخ يا إخواني قد وضعناه في مئات المرات الحرجة مع الجامعة الإسلامية، فأخ من الإخوة يأتي ويلح ثم يلح، ولا شيء غير الإلحاح، فتحت ضغط الأخ وإلحاحه يكتب له الشيخ تزكية إلى الجامعة الإسلامية، ثم يذهب الأخ هناك فيأتي بالموبقات والكبائر، فالجامعة ترسل رسالة للشيخ الألباني تقول له: لا ترسل إلينا أحداً من قبلك بعد ذلك، إي والله! والشيخ قد أطلعنا على مثل ذلك عدة رسائل من الجامعة موجهة إليه، وفي النهاية قال: أنا جعلت المسئولية على عاتق الغير، فيزكيه الغير، وأنا على تزكيته في نفس الورقة أزكيه؛ حتى يخلع مسئوليته أمام الجامعة.

ثم وقع في نفس الحرج وزيادة، فالآن نحن يا إخواني! لا نزكي أحداً قط حتى وإن كنا نعرفه، لكن الأخ يأتي يلح مئات المرات، حتى يلحق الواحد في بيته وفي شارعه وفي سوقه وفي كل مكان، ولا يكون أمامنا إلا التزكية، فهل ترضون أن نزكي واحداً منكم، ثم من ورائه فوراً أتصل بالشيخ وأقول: له كذا وكذا وكذا، فلا تعتمدها يا شيخ؟! أيصح هذا؟! نرجع إلى أصل كلامنا وهو: أن منهج التلقي عند أهل السنة والجماعة يكون من القرآن والسنة والإجماع والقياس، وما دون ذلك فليس بمنهج، وما دون ذلك فهو الكلام والأهواء والجدل والملاحاة والخصومات، وليس هذا هو منهج السلف رضي الله عنهم.