ولهم كلام في الإيمان، فقد قالوا: الإيمان عند الجهمية هو المعرفة بالله فقط، فما دام الرجل يعرف بقلبه أن الله تعالى موجود؛ فهذا كاف، وإن نطق الكفر بلسانه، أو ترك جميع الأركان والفرائض ما ضره شيء من ذلك! لأن الأصل في الإيمان عندهم معرفة القلب.
إذاً تعريف الإيمان عند الجهمية لابد وأن يدخل فيه إبليس، أليس إبليس يعرف الله تعال؟ بلى، وهل إبليس أنكر ربوبية الله عز وجل؟ أبداً ما أنكرها، بل أقرها في القرآن مراراً وتكراراً، فإبليس مؤمن، ولذلك ما استحت الجهمية أن يحكموا لإبليس ولفرعون بالإيمان، ثم صنفوا رسائل وذكروا كلاماً فيما يتعلق بالرد على الناصبة -أي: أهل السنة- مع أنهم هم الذين يناصبونهم العداء في إثبات إيمان فرعون وإثبات إيمان إبليس، فالإيمان عندهم هو المعرفة بالله فقط، والكفر هو الجهل بالله.
قال جهم: من أتى بالمعرفة -المعرفة تختلف عن العلم- ثم جحد بلسانه لم يكفر بجحده؛ لأن العلم والمعرفة لا يزولان بالجحد.
مثل أن يأتي شخص فيقول لك: تعرف النظرية الفلانية؟ تقول له: نعم أعرفها، لكن لو أنك جحدت النظرية بعد إقرارك بمعرفتها فلا يستلزم أنك فعلاً قد جهلت هذه النظرية، ولذلك يقولون: الذي يقر بالربوبية والإلهية ثم جحد بعد ذلك؛ فهذا الجحود لا يؤثر على المعرفة.
وقال: الإيمان لا يتبعض، أي: لا ينقسم إلى عقد بالقلب، وقول باللسان، وعمل بالأركان، ولا يتفاضل أهله فيه، أي: لا يزيد مؤمن على مؤمن، بل كل المؤمنين في ذلك سواء، سواء في ذلك الملائكة أو البشر أو الجن أو سائر المكلفين، فكلهم في مسألة الإيمان على مرتبة واحدة، فإيمان الأنبياء وإيمان الأمة على نمط واحد؛ إذ المعارف لا تتفاضل، وهذا غير صحيح؛ فعموم المعارف عند أهل السنة وليست المعرفة بالله فقط تتفاضل، فليست معرفة زيد بالله عز وجل كمعرفة عمر.