[اختلاف أهل العلم في أول المخلوقات هل هو القلم أو العرش؟]
وقع خلاف بين أهل العلم: هل أول المخلوقات القلم أم العرش؟ فبعضهم يقول: أول المخلوقات القلم، وبعضهم يقول: أول المخلوقات العرش، ومعنى أول ما خلق الله القلم أي: من أول ما خلق الله القلم، وهذا قد جرت به ألسنة العرب، كما قال عليه الصلاة والسلام: (خيركم من تعلم القرآن وعلمه).
فهل خير الناس على الإطلاق من تعلم القرآن وعلمه؟
الجواب
لا، التقدير: من خيركم من تعلم القرآن وعلمه، من أفاضلكم، من أحاسنكم، وقال عليه الصلاة والسلام: (خيركم خيركم لنسائه)، وهذا حديث صحيح، فإذا قلت: خيركم خيركم لنسائه، وخيركم من تعلم القرآن وعلمه، لابد أن يحدث تصادم بين النصوص.
إذاً: من خيركم خيركم لنسائه، ومن خيركم من تعلم القرآن، ومن خيركم أحاسنكم أخلاقاً وغير ذلك، إذاً: النصوص فيها تقدير محذوف، وهو (من) التي تفيد التبعيض.
إذاً: في هذه الحالة أول ما خلق الله القلم، أي: من أول ما خلق الله، يعني: من أوائل المخلوقات القلم، ولا يلزم من ذلك أن يكون القلم هو أول المخلوقات.
وفي رواية: أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (أول ما خلق الله العقل.
فقال له: أقبل فأقبل، فقال له: أدبر فأدبر، قال: وعزتي وجلالي ما خلقت خلقاً أعز علي منك، فبك أعطي وبك أمنع وبك أعاقب وبك أثيب) إلى نهاية الحديث.
قال ابن تيمية عليه رحمة الله في الفتاوى، وقال ابن القيم عليه رحمة الله في الصواعق المرسلة وغيرها من كتبه التي تتعلق بالقدر، وقال في كتابه المنار المنيف في الصحيح والضعيف: كل أحاديث العقل التي تدل على أن العقل أول المخلوقات أحاديث ضعيفة ومنكرة؛ ولذلك سئل شيخ الإسلام ابن تيمية سؤالاً خاصاً فيما يتعلق بالعقل في كثير من كتبه.
على أية حال الخلاف قائم بين أهل العلم من السلف في أيهما أسبق، وذلك بعد اتفاقهم أن أحاديث العقل موضوعة ومختلقة ومكذوبة على النبي عليه الصلاة والسلام، ثم وقع الخلاف بين أهل العلم من السلف في أول المخلوقات: هل هو العرش أم القلم؟ أتت نصوص في الكتاب والسنة تدل على أن العرش كان أول المخلوقات: (خلق الله السماوات والأرض في ستة أيام، وكان عرشه على الماء)، كلمة (وكان عرشه على الماء) تدل على أن العرش أسبق، والعرش مخلوق؛ لأنه لا خالق إلا الله، خلق الله تعالى السماوات والأرض في ستة أيام وكان عرشه على الماء، يعني: وكان عرشه قبل خلق السماوات والأرض على الماء.
قال ابن عباس: والماء فوق السماء السابعة، وقبل خلق السماوات كان الماء على الريح.
قال ابن عباس: وكان عرشه على الماء -أي: على الماء فوق السماء السابعة قبل خلق السماوات السبع وخلق الأرضين السبع- قيل لـ ابن عباس: كان على ماذا؟ قال: كان على الريح.
أي: الماء كان على الريح، والعرش فوق الماء، والكرسي فوق العرش، مخلوقات عظيمة جداً، فلا تتصور أن هذه المسألة هرمية؛ لأنه لا يصح في الأذهان أن تتصور هذا، النبي عليه الصلاة والسلام يقول: (الكرسي في العرش كحلقة في فلاة).
يعني: تصور أنك ترمي حلقة في صحراء! لا شيء، فالكرسي في العرش كحلقة في فلاة، والكرسي أعظم من السماوات والأرض، وهو لا يساوي في العرش إلا كحلقة في فلاة، إذاً: كيف يكون حجم العرش؟! مخلوقات عظيمة لا يمكن أن تتصورها، إذا كنت أنا ضربت الآن مثلاً بأن القلم الذي كتب مقادير الخلائق قدره كما بين السماء والأرض، والمعلوم أن ما بين كل سماء وسماء أو السماء والأرض مسيرة خمسمائة عام، فهذه مخلوقات عظيمة جداً لا يمكن لأحد أن يتصورها مع أنها مخلوقة.
لو قلنا لك الآن: صف ثمار الجنة، تعجز؛ لأن ثمار الجنة ليس لها مثيل في ثمار الدنيا إلا في الاسم فقط، كما قال ابن عباس رضي الله عنهما: هذا تفاح وهذا تفاح، لكن شتان بين هذا وذاك.
فإذا كان الأمر كذلك فيحرم جداً أن نتصور في الأذهان صورة لله عز وجل، وإنما نثبت أن لله تعالى صورة، كيف هي؟ لا يعلمها إلا الله، إذا كنا نحن نعجز عن إدراك بعض المخلوقات وهي مخلوقات، فكيف بالخالق الذي خلقها؟ ولذلك يروى -كما في كتب ابن الجوزي عليه رحمة الله- أنه قد خرج رجل في زمانه ممن يتعالم، فصعد المنبر وقال: سلوني ما شئتم.
فلا تسألوني عن شيء إلا أخبرتكم به، فقام إليه أعرابي جلف، فقال: يا فلان! أين تجد أمعاء النملة؟ فأسكته.
فهذه النملة مخلوقة أم لا؟ إذاً: هل نحن نعلم أن لها أمعاء أو عينين أو رجلين، أو عرضاً أو طولاً؟، هل نعلم خصائصها وأوصافها؟ عجز عنها هذا المتفيهق المتحذلق بكلمة أعرابي جاء من البادية، ليس له في العلم شيء ومع هذا أسكته، وهذه النملة من أحقر وأدق المخلوقات، فكيف بأعظم المخلوقات العرش والكرسي والسماوات والأرض والجنة والنار؟ لا يمكن لأحد أن يصفها.
والمعلوم أننا لا نستطيع أن نصف شيئاً إلا إذا رأيناه أو علمنا له مثيلاً، وليس هذا في بعض المخلوقات ممكناً بالنسبة