للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[من شيوخ الجهم بن صفوان: الجعد بن درهم]

أما شيخ الجهم بن صفوان فاسمه: الجعد بن درهم، وبئس الدرهم هو، وكان مولى من موالي بني مروان، وأصله من خراسان، لكنه سكن دمشق، وانتقل ببدعته من خراسان إلى دمشق، فبذر البذرة هناك، ثم رجع إلى الكوفة، فالتقى بـ الجهم في الكوفة، وكان الجعد بن درهم مؤدباً لآخر ملوك بني أمية وهو مروان بن محمد بن مروان، وكان يقال له: مروان الجعدي؛ لتقريبه للجعد بن درهم، فنسب إليه وبئس النسبة هي، كما كان له لقب آخر وهو: مروان الحمار.

قال الذهبي في الجعد: عداده في التابعين، مبتدع ضال.

وفي هذا دليل على أنه ليس كل التابعين أهل صلاح، بل منهم المبتدع، ومنهم الثقة، ومنهم الإمام في الهدى، ومنهم الإمام في الضلالة، وكل ما هنالك أنه رأى بعض الصحابة، والمعلوم أن التابعي: هو من لقي الصحابة أو بعضهم.

وذكر ابن عساكر في تاريخ دمشق: أن الجعد كان يتردد إلى وهب بن منبه، ووهب بن منبه إمام من الأئمة، فهو رجل هدى وتقوى وعلم، لكن كان يعاب عليه أنه كان ينظر في كتب السابقين، أي: في كتب اليهود والنصارى والصحف وغيرها، فوجد الجعد ضالته عند وهب، فكان يتردد إليه ويحمل عنه، وكان كلما راح الجعد إلى وهب اغتسل وهب وقال وهب: إن هذا الغسل أجمع للعقل، أي: كأن لقاء جعد كان يذهب بعقل وهب بن منبه، وكان يسأل وهباً عن صفات الله تعالى، فقال له وهب يوماً: ويلك يا جعد! أقصر المسألة عن ذلك، أي: لا تسأل عن هذا، واسأل عن الصلاة، والزكاة، والصيام، والحج، وأركان الدين، لكن هو أراد أن ينطلق ببدعته من هذا الباب، فقال وهب للجعد: إني لأظنك من الهالكين، لو لم يخبرنا الله في كتابه أن له يداً ما قلنا ذلك، وأن له عيناً ما قلنا ذلك، وأن له نفساً ما قلنا ذلك، وأن له سمعاً ما قلنا ذلك، وذكر الصفات من العلم والكلام وغير ذلك.

وكان هذا آخر كلام في الصفات؛ من أجل أن تنتهي الجولة مع الجعد بن درهم.

قال: والله لا نقول إلا بما قاله الله في كتابه، وما قاله الرسول في سنته، فلا تسألني عن شيء بعد ذلك.

ولما أقام الجعد بدمشق أظهر القول بخلق القرآن، أي: قال: هذا القرآن مخلوق وحادث، وأن الله لم يكن متكلماً فتلكم، ولم يكن عالماً فخلق لنفسه العلم، فعلم بعد أن كان غير عالم، وغير ذلك من بقية صفات المولى عز وجل التي يمكن أن يتصف بها المخلوق، من العلم والكلام والقدرة وغير ذلك، فطلبه بنو أمية لما أظهر القول بخلق القرآن، فهرب وسكن في الكوفة -مأوى الضلال- وفيها لقيه الجهم بن صفوان وأخذ عنه مذهبه في التعطيل -أي: تعطيل الصفات عن الله عز وجل، وتعطيل الذات أن تتصف بالصفات- وقال بقوله في القرآن.