[لا يقبل قول إلا بعمل]
[وعن الحسن البصري رحمه الله قال: قال قوم على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنا لنحب ربنا عز وجل]، والحب أمر قلبي، فزعم بعض الصحابة أنهم يحبون الله عز وجل، [فأنزل الله تعالى] آية أعظم ابتلاء واختباراً لمن زعم أن المحبة ظاهراً قال: [{قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي} [آل عمران:٣١]] يعني: إذا كنتم صادقين في زعمكم وادعائكم المحبة، فاعلموا أن المحبة ليست كلاماً، وإنما المحبة اتباع النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه الممثل عملياً لكلام الله عز وجل وكلامه صلى الله عليه وسلم، [فجعل الله عز وجل اتباع نبيه صلى الله عليه وسلم علماً لمحبته، وأكذب من خالفه، ثم جعل على كل قول دليلاً من عمل يصدقه أو يكذبه، يعلم نبيه صلى الله عليه وسلم والمؤمنين من عباده الإيمان.
قال الله تعالى: {قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} [البقرة:١٣٦].
فأعلم الله تعالى نبيه في هذه الآية أن الإيمان بالله هو الإيمان بما أنزل عليه وبما أنزل على الذين من قبله من الرسل والأنبياء، وبما في كتبه من الشرائع والأحكام والفرائض، وأن ذلك هو الإيمان والإسلام، ثم قال تعالى: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [آل عمران:٨٥].
ففي هذا دليل على أن الإيمان قول وعمل، لا ينفصل الإسلام عن العمل في هذه الآية، وذلك أن الله عز وجل قد أخبرنا أنه لا يقبل قولاً إلا بعمل.
قال الله عز وجل: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} [فاطر:١٠]] أطيب كلمة هي كلمة التوحيد، وهذه الكلمة لو قالها إنسان ولم يعمل بمقتضاها لا تنفعه، فلو أن إنساناً لهج بلا إله إلا الله محمد رسول الله، ولكنه لم يعمل بمقتضاها، بل عمل بما ينافيها وينقضها، لا تنفعه.
أي: لو أنه قالها وهو كاره لها، أو قالها وهو غير عالم بحقيقتها، أو قالها وهو غير مخلص فيها فهناك ضوابط وشروط ومقتضيات لهذه الكلمة، أما لو فإنها مجردة لا تنفع.
[فأخبرنا الله عز وجل أنه لا يقبل قولاً طيباً إلا بعمل صالح، أو عملاً صالحاً إلا بقول طيب؛ لأنه قال في آية أخرى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ} [النحل:٩٧]، ولكن لو عمل عملاً صالحاً وهو مشرك لا ينفعه ذلك، فلا بد من العمل الصالح مع الإيمان، [{مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً} [النحل:٩٧].
قال: فلا قول أزكى ولا أطيب من التوحيد، ولا عمل أصلح ولا أفضل من أداء الفرائض واجتناب المحارم، فإذا قال قولاً حسناً أو عمل عملاً حسناً رفع الله قوله بعمله، وإذا قال قولاً حسناً وعمل عملاً سيئاً رد الله قوله على العمل، وذلك في كتاب الله عز وجل، فأنزل الله تعالى {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} [فاطر:١٠]].
[وعن أبي العالية رحمه الله قال في قول الله تعالى: {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} [البقرة:١٧٧] قال: تكلموا بكلام الإيمان وحققوه بالعمل.
قال الربيع بن أنس: وكان الحسن يقول: الإيمان كلام، وحقيقته العمل، فإن لم يحقق القول بالعمل لم ينفعه القول] قول طيب.