للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[المؤمن بين الخوف والرجاء]

إذاً: فلا يغتر أحدنا بطاعته، ولا يقنط أحد من معصيته؛ لأنكم تعلمون أن جناحي المؤمن في السير إلى الله: الخوف والرجاء، الخوف الذي يزيده عملاً، والرجاء الذي لا يقنطه من رحمة الله، فهل هناك طائر يمكن أن يطير بجناح واحد؟ لا، بل لو انكسر أحد جناحيه لسقط، وكذلك المؤمن لو فقد الخوف من الله ارتكب المعاصي، ولو فقد الرجاء في الله قنط من رحمة الله وأيس، ولا يقنط من رحمة الله إلا القوم الكافرون، ولذلك العلماء يقولون: من عبد الله بالخوف فقط كفر، ومن عبده بالرجاء فقط كفر، إذ إنه لا يمكن أن يستقيم العبد إلا إذا مشى الاثنان سوياً، فلا يغلب الخوف على الرجاء، ولا الرجاء على الخوف، ولذا قالوا: إذا كان المرء في شبابه فلا بأس أن يزيد عنده الخوف الذي يؤدي إلى مزيد العمل، وعند الموت أو كبر السن فلا بأس أن يغلب الرجاء عليه حتى يلقى الله تعالى وهو حسن الظن به، أما أن يغتر الإنسان بعمله فهذه مصيبة عظيمة، ولذا من الكبائر أن ترى لنفسك عملاً مع نعم الله عز وجل، فمهما عبدت الله عز وجل فليست بشيء ولا تؤهلك لأي شيء، فإياك أن تغتر وتقول: أنا رجل سني وملتحي وألبس جلبية بيضاء قصيرة إلى غير ذلك من التزكية للنفس، فإياك أن تغتر بهذا والله لا ينفعك، ولذلك العلماء يقولون: رب طاعة أدخلت صاحبها النار، ورب معصية أدخلت صاحبها الجنة؛ فالأول لأنه اغتر وتعالى وافتخر بها على الناس، كأن يقول: أنا أصلي الخمس، وأصوم رمضان، وأحج كل سنة وأعتمر كذا وكذا، ويظل يفاخر بأنه يصلي ويصوم ويزكي ويحج ويتصدق، وأنه حل قضايا فلان ومشاكل فلان وغير ذلك، مع أن الذي وفقه لهذا العمل هو الله تعالى، ولو أن الله تعالى تخلى عنه لحظة ما فعل شيئاً من ذلك.

إذاً: مرد العمل كله لله عز وجل، ولو أنه سبحانه أوكلك إلى نفسك طرفة عين لهلكت، فأنت في كنف الله ورعايته فلا تغتر، ولا تنسب شيئاً من ذلك لنفسك، فإذا فعلت طاعة فاحمد الله عليها، ولا تحمد نفسك، وإذا فعلت معصية فاستغفر الله منها، ورب معصية أورثت صاحبها ذلاً وانكساراً وتوبة، فكان بسببها أن دخل الجنة.

شخص التقى بأناس كثيرين وقال: أنا أبو المعاصي، والله تعالى يسترني ويستركم جميعاً، لكن أحياناً يأتي إنسان ويقول: يا شيخ! أنا قتلت وزنيت وشربت الخمر وأكلت الخنزير، وهو يتقطع ويتمزق ألماً، ثم منهم من يهيم على وجهه بسبب هذه المعصية، وينقطع للعبادة، ولا يرى أنه يعبد الله تعالى ويكافئه بأي شيء من نعمه، فهذا بلا شك معصية أورثت صاحبها خيراً.