للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[دخول الشيطان على العالم في ساعة الجدال والخصومة]

قال: [وعن مسلم بن يسار قال: إياكم والمراء؛ فإنها ساعة جهل العالم].

يعني: لو مارى وخاصم عالم فإنه في هذه المرة ليس جاهلاً فهو عالم، لكن في لحظة ضعف منه أو غفلة تسلط عليه الشيطان، وجعله يناظر وينافح ويأخذ ويعطي، فأثبت أن ربا البنوك حلال، وأتى بأدلة أو شبه أدلة من هنا وهناك، وأتى بكلام لأناس مغمورين لا يعرف أحد أنهم من أهل العلم من القرون الأولى والقرون الوسطى إلى يومنا هذا، ثم يبلور من هذا كله رأياً: وهو أن الربا حلال، ويفتي بذلك للعامة، مع العلم أن هؤلاء العامة أفقه ممن قال بهذا الرأي، لكن لما أعجبهم هذا الرأي ووافق هواهم؛ قالوا به، وعملوا من خلاله، وهم إذا استوقفوا ليقسموا يمين الطلاق عما إذا كانوا يعتقدون صحة هذا القول من عدمه؛ فإنهم يقولون: إن هذا القول باطل عندما نضعه على المحك.

أذكر أن شخصاً وضع أمواله في البنك، وصار يأخذ فوائد -وإن شئت فقل: ربا هذا المال- للإنفاق على نفسه وعياله في كل شهر، فاستفتاني ولده فقلت: هذا المال حرام، والآثم في ذلك أبوك، وإذا كنت في حل من المعاش معه فيحرم عليك هذا، وإلا فكل هنيئاً مريئاً على قدر الكفاف، والإثم عليه.

فذهب ونقل إلى أبيه هذه الفتوى، فأتاني الأب في بيتي وقال: أنت تضلل الناس، وأنت تفعل كذا، وأنت تفعل كذا قلت: وما القصة؟ قال: قلت: كيت وكيت وكيت كيف تفتي بأن فوائد البنوك حرام؟ وهل أنت ند لفلان الذي يقول: إنها حلال؟ قلت له: أنا لست نداً، وأعوذ بالله أن أكون نداً، لكني أرتضي أن تحلف لي بقولك: امرأتي طالق امرأتي طالق امرأتي طالق؛ إذا كان هذا المال حراماً؟ قال: لا.

أنا لا أستطيع أن أحلف، قلت له: لماذا؟ قال: أنت تضعني في طريق ضيق.

قلت له: بما أنك تعلم أنه طريق ضيق ومغلق ومقفول فلماذا تدخله؟ إن الطريق المفتوح هو الذي يؤدي إلى الجنة، وأما المغلق ففي نهايته سقوط إلى الهاوية.

قال: يكفي الشهادة لله إذا كنت تريد أن تحلفني اليمين، ثم قال: امرأتي طالق امرأتي طالق امرأتي طالق إذا كنت أعتقد أن هذا المال حلال، بل أعتقد أنه حرام.

قلت: إذاً: يلزمك أن تذهب إلى صاحبك الذي قرنت بيني وبينه لتخبره بهذا.

قال: هذا لا يعتقد بقول أحد قط إلا بقوله هو.

يعني: أن العوام أنفسهم يفهمون هذه المسألة.

إذاً: لم يخالف هذا الفهم؟

الجواب

لأن الأمر يوافق هواهم، ويتصورون أنهم في منجىً بقولهم: (ضعها في رقبة عالم واطلع منها سالم!).

وهذا كلام باطل، وإنما إذا كنت فعلاً تريد الحق، وتبتغي الحق، فإنك تسأل أكثر من واحد من أهل العلم، ثم تأخذ بالأحوط، وحينئذ ضعها في رقبة عالم واخرج منها سالماً، وهذا للجهال الذين ليس لهم نوع اجتهاد، ولا بحث ولا نظر في كتب وفي كلام أهل العلم وأدلتهم.

قال: [إياكم والمراء؛ فإنها ساعة جهل العالم، وفيها يبتغي الشيطان زلته].

فيبدأ يزين له، ويزخرف له القول، وربما ذكره بالأدلة التي تعين على إثبات هذا الباطل الذي هو عليه.