[موقف المعتزلة من حديث: (احتجاج آدم وموسى)]
قد رد هذا الحديث من لم يفهمه من المعتزلة، وهم أول ناس ردوا هذا الحديث؛ لأنهم دائماً يقدمون العقل على النقل، إذ إن هذا أصل من أصولهم، ولا شك أن النقل الصحيح دائماً يوافق العقل الصريح، وهذه قاعدة وأصل عند أهل السنة والجماعة.
بينما هؤلاء المعتزلة يقولون: النقل يوافق العقل، لكن القضية ومحل النزاع بين أهل السنة والمعتزلة عند التعارض، أي: إذا تعارض العقل مع النقل فأيهما نقدم؟ أهل السنة يقدمون النقل، أما المعتزلة فيقدمون العقل، ويحكمون على النقل بالبطلان والرد، ولذلك لما قصرت عقولهم عن فهم هذا الحديث ردوه.
قال: [وقد رد هذا الحديث من لم يفهمه من المعتزلة كـ أبي علي الجبائي] وأبو علي الجبائي شيخ الاعتزال، وهو زوج أم أبي الحسن الأشعري، وكان يعتمد في الاعتزال على أبي الحسن الأشعري أيما اعتماد، فلما ترك أبو الحسن الأشعري مذهبه في الاعتزال وتبنى مذهباً جديداً وهو مذهب الأشاعرة، أفلس المعتزلة في ذاك الزمان.
قال: [ومن وافقه على ذلك، وقال: لو كان هذا الحديث صحيحاً لبطلت نبوات الأنبياء، فإن القدر إذا كان حجة للعاصي بطل الأمر والنهي]، وفي ظنهم أن آدم عليه السلام احتج بالقدر على المعصية، وأن هذا الأمر المقدر مكتوب قبل خلق السماوات والأرض، ولا بد للإنسان أن يعمله، فحينئذ ما قيمة النبوة والرسالة والكتب إذا كان المقدر قبل ذلك سيكون لا محالة؟! وهذا بلا شك يساوي عندهم إهدار النبوات.
قال: [فإن العاصي بترك الأمر أو فعل النهي إذ صحت له الحجة بالقدر -يعني: إذا صح له أن يحتج بالقدر- السابق ارتفع اللوم عنه].
ثم قال: [وهذا من ضلال فريق الاعتزال، وجهلهم بالله ورسوله وسنته، فإن هذا حديث صحيح متفق على صحته، لم تزل الأمة تتلقاه بالقبول من عهد نبينا صلى الله عليه وسلم قرناً بعد قرن، وتقابله بالتصديق والتسليم، ورواه أهل الحديث في كتبهم، وشهدوا به على رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قاله، وحكموا بصحته، فما لأجهل الناس بالسنة، ومن عرف بعداوتها، وعداوة حملتها، والشهادة عليهم بأنهم مجسمة ومشبهة وحشوية وهذا الشأن؟!] أي: ما بال أصحاب الاعتزال وهذا الحديث ليس من صنعتهم، وإنما هو من صنعة المحدثين، وهو ثابت باتفاق البخاري ومسلم على إخراجه، وبتلقي الأمة لهذا الحديث بالقبول، وبتوفر شروط الصحة في هذا الحديث، فما بالهم يردونه لمجرد أنه يخالف عقولهم؟! قال: [ولم يزل أهل الكلام الباطل المذموم موكلين برد أحاديث الرسول عليه الصلاة والسلام].
وهذا كلام جميل جداً، إذ إنه ما من مبطل في زمن من الأزمنة، أو في قرن من القرون إلا وعمدته رد الأحاديث؛ لأنها لا تتفق مع عقله.
قال: [ولم يزل أهل الكلام الباطل المذموم موكلين برد أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم التي تخالف قواعدهم الباطلة، وعقائدهم الفاسدة، كما ردوا أحاديث الرؤية -رؤية الله عز وجل- وأحاديث علو الله عز وجل على خلقه، وأحاديث صفاته القائمة به سبحانه، وأحاديث الشفاعة، وأحاديث نزوله إلى سمائه، ونزوله إلى الأرض للحكم بين عباده، وأحاديث تكلمه بالوحي كلاماً يسمعه من شاء من خلقه حقيقة، إلى أمثال ذلك] من الأحاديث التي جحدها هؤلاء المبتدعة الضالون، وكلهم ينضوي وينطوي تحت فرقة المعتزلة.
قال: [وكما ردت الخوارج والمعتزلة أحاديث خروج أهل الكبائر من النار بالشفاعة وغيرها]، إذ قالوا: كل صاحب كبيرة مخلد في النار.
قال: [وكما ردت الرافضة -الشيعة- أحاديث فضائل الخلفاء الراشدين وغيرهم من الصحابة، وكما ردت المعطلة أحاديث الصفات، والأفعال الاختيارية لله عز وجل، وكما ردت القدرية المجوسية أحاديث القضاء والقدر السابق.
وكل من أصل أصلاً لم يؤصله الله ورسوله قاده قسراً إلى رد السنة وتحريفها عن مواضعها، فلذلك لم يؤصل حزب الله ورسوله أصلاً غير ما جاء به الرسول عليه الصلاة والسلام، فهو أصلهم الذي عليه يعولون، وجنتهم التي إليها يرجعون]، إذاً كل أصل ليس له دليل في الكتاب أو السنة فهو أصل باطل.