ساق الإمام مسلم عليه رحمة الله جملة عظيمة جداً من أحاديث هذا الباب، وأظن أن معظم ما في مسلم قد أورده ابن بطة في هذا الكتاب.
وهناك روايات عند الإمام مسلم مختلفة في السياق والتمام والنقصان عما في هذا الكتاب، وأعظم نكتة في الحديث يعتمد عليها من قال بأن الروح تنفخ بعد الأربعين قوله:(إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوماً، ثم يكون في ذلك علقة مثل ذلك)، فتوقفوا عند قوله:(ثم يكون في ذلك علقة مثل ذلك)، فيقولون: تنفخ الروح قبل هذه الأطوار، ويقولون: زيادة المبنى تدل على زيادة المعنى، ويعتمدون على هذا النص الزائد:(ثم يكون في ذلك علقة مثل ذلك)، يعتمدون على الاختلاف في هذه الرواية في إثبات أن الروح تنفخ بعد الأربعين، والإمام النووي عليه رحمة الله يرد ذلك.
قال:(ثم يكون في ذلك مضغة مثل ذلك، ثم يرسل الملك فينفخ فيه الروح ويؤمر بأربع كلمات: بكتب رزقه وأجله وعمله وشقي أو سعيد، فوالذي لا إله غيره إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة) إلى آخر الحديث.
فلما اختلفت الروايات بين الثلاثة أشهر أو هذه الأطوار، ورواية الأربعين يوماً أو نيف وأربعين؛ قال العلماء: طريق الجمع بين هذه الروايات: أن للملك ملازمة ومراعاة لحال النطفة، وأنه يقول: يا رب! هذه علقة هذه مضغة في أوقاتها، ولا يعني ذلك: أن الروح تنفخ بعد مائة وعشرين يوماً، وهذا ظاهر النص، فالملك فقط يقول ذلك من باب الإخبار، والله تعالى أعلم بحال خلقه، فإذا كان نطفة قال الملك: يا رب! هذه نطفة، لا من باب أنه يخبر الله تعالى، وإنما هو يخبر عن حالها: هذه نطفة هذه علقة هذه مضغة، فهذا لمجرد الخبر، فكل وقت يقول فيه ما صارت إليه بأمر الله تعالى؛ وهو أعلم سبحانه.