قال:[حدثنا أبو الحارث الصائغ قال: سألت أبا عبد الله أحمد بن حنبل فقلت: إن بعض الناس يقول: إن هؤلاء الواقفة شر من الجهمية؟ قال: هم أشد تربيثاً -أي: خداعاً وتمويهاً وتدليساً على العامة- من الجهمية، وهم يشككون الناس؛ وذاك أن الجهمية قد بان أمرهم].
كما أن المنافق أخطر على الإسلام وأهله من الكافر؛ لأن الكافر قد علم أمره وبان وظهر، وللناس أن يعاملوه على هذا الأساس، لكن لو أن الإنسان منافقاً ظاهره الإسلام، فليس لنا منه إلا الظاهر، أما الباطن فيحاسبه عليه الرب يوم القيامة، لكن المضرة قادمة من قبله.
قال:[وذاك أن الجهمية قد بان أمرهم، وهؤلاء إذ قالوا: لا يتكلم؛ استمالوا العامة، إنما هذا يصير إلى قول الجهمية].
أي: الذي يقول: القرآن كلام الله ثم يتوقف ولا يقول: مخلوق ولا غير مخلوق، مآلهم أن يقولوا في نهاية أمرهم إذا فضحوا: مخلوق.
[قال أبو الحارث: وسمعت أبا عبد الله سئل عمن قال: أقول: القرآن كلام الله وأسكت.
قال: هذا شاك، لا، حتى يقول: غير مخلوق].
يعني: لا نقبل منه التوقف حتى يصرح بأن القرآن كلام الله غير مخلوق، حتى لا يقول أحد من الإخوة: أنا سأعمل مثل ما عمل الصحابة، فقد كانوا يقولون: القرآن كلام الله ويسكتون، نعم سكتوا إذ لم تكن هناك فتنة، فلما قامت الفتنة كان لابد من التمييز بين أهل الحق وأهل الباطل، وبالتالي لا يقبل منك حتى تصرح بأن القرآن كلام الله غير مخلوق، كما لا يقبل منك حتى تقول: الله استوى على العرش بذاته، وينزل ويجيء؛ ينزل إلى السماء الدنيا حيث يبقى ثلث الليل الآخر، ونزوله إلى السماء الدنيا لا يستلزم خلو العرش منه سبحانه وتعالى، وهذه لابد أن تكون هذه عقيدة المسلمين.