قال: [وعن أبي سعيد قال: سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن العزل فقال: (لا عليكم ألا تفعلوا ذاكم، فإنما هو القدر)، قال محمد بن سيرين: وقوله: (لا عليكم) أقرب إلى النهي].
أي: مثل ما يقول رب العالمين: {فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ}[الكهف:٢٩]، فهذه الآية جاءت على سبيل التهديد، وليس على سبيل التخيير، أي: أن ربنا يخيرنا بين من أراد أن يؤمن فليؤمن، ومن أراد أن يكفر فليكفر، وإنما الله سبحانه وتعالى يهددنا ويتوعد، وكذلك قوله هنا:(لا عليكم ألا تفعلوا)، أي: تريدون أن تعزلوا اعزلوا، لكن والله لو أراد الله بما عزلتم أن يخلق فلابد أن يكون ذلك، فـ ابن سيرين رحمه الله فهم من قوله عليه الصلاة والسلام:(لا عليكم): النهي؛ لأنها تدل عليه من باب الإشارة لا من باب صريح العبارة.
[وعن أبي سعيد قال:(ذكر العزل عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال: وما ذاكم؟ -أي: ماذا تقصدون بالعزل؟ - قالوا: الرجل تكون له المرأة ترضع فيصيب منها)]، أي: يا رسول الله! امرأتي ترضع ولو أني جامعتها حملت، والعرب كانوا يعدون لبن الحامل مضراً بالولد، فنحن نعزل في أثناء الرضاع مخافة أن تحمل المرأة.
قال: [(الرجل تكون له المرأة ترضع فيصيب منها، ويكره أن تحمل منه، والرجل تكون له أمة فيصيب منها، ويكره أن تحمل منه)]؛ لأن الأمة لو حملت كان ولدها تبعاً لها في الرق، وربما تكون كافرة من أهل الكتاب يهودية أو نصرانية، وكفر أهل الكتاب بالإجماع لا على القول الراجح! إذاً: الذي دفعنا يا رسول الله! إلى أن نعزل أمران: الأول: أن هذه امرأتي الحرة ترضع، وأنا لو أصبت منها حملت، فكان في ذلك المضرة على الرضيع، الثاني: أن الواحد منهم تكون له أمة ويريد أن يستمتع بها، لكنه يخشى أن تحمل فيتبعها ولدها في الرق، وهذا أمر لا يشرف صاحب النطفة، أو أنه إذا حملت الأمة صارت أم ولد، ومن أحكام أم الأولاد أنها لا تباع ولا تشترى، فإذا حملت امتنع عليه بيعها للآخرين، وبالتالي تفوته المصلحة في ذلك.
فلما سألوا النبي عليه الصلاة والسلام عن ذلك قال: [(لا عليكم ألا تفعلوا ذاكم)]، أي: إذا أردتم أن تعزلوا فاعزلوا، (فإنما هو القدر)، أي: حتى وإن عزلتم فلا يكون إلا ما قدره الله تعالى.
قال ابن عون: فحدثت به الحسن البصري فقال: والله لكأن هذا زجر.
أي: كأن النبي صلى الله عليه وسلم يزجرهم أن يعزلوا.
قال: [وعن قزعة عن أبي سعيد الخدري قال: ذكر العزل عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (ولم يفعل ذلك أحدكم؟ -وهذا إنكار- فإنه ليست نفس مخلوقة إلا الله خالقها)]، أي: إلا ولابد أن يخلقها الله عز وجل.
قال: [وعنه قال: سئل النبي عليه الصلاة والسلام عن العزل فقال: (ما من كل الماء يكون الولد، وإذا أراد الله خلق شيء لم يمنعه شيء)]، أي: لم يمنعه العزل.